Powered By Blogger

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 4 فبراير 2010

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود - الحلقة (٢٠).. كفّرونى للمرة الثانية عندما أصدرت «التفسير العصرى للقرآن»

■ «لا تنظر إلى ما يرتسم على الوجوه.. ولا تستمع إلى ما تقوله الألسن.. ولا تلتفت إلى الدموع.. فكل هذا هو جلد الإنسان وهو يغير جلده كل يوم»

■ «ابحث عما تحت الجلد.. وهو بالطبع ليس القلب فهو الآخر يتقلب.. وأيضا ليس العقل فهو يغير وجهة نظره كلما غير الزاوية»

■ «انظر دائما إلى لحظة اختيار حر.. والحقيقة أنهم مجانين هؤلاء الذين يتخذون المال هدفا لحياتهم»

■ «الإنسان ليس له سوى بطن واحد.. ولا يسكن إلا بيتا واحدا.. فإذا زادت ثروته على حاجته سيكون هو خادما للزيادة ولن تكون هى فى خدمته»

مصطفى محمود

بالطبع كانت له رؤية دينية مختلفة.. يتعامل مع الدين مثلما كان يقول دائما على أنه الروح التى لا ترى بالعين البشرية أو المجردة.. بكل بساطة ذلك هو معنى الدين عند فيلسوف الشرق.. الفارس المتمرد.. الدكتور مصطفى محمود الذى حمل منذ الصغر أسئلة الشك التى عبرت بحار وجبال وأوطان الأديان السماوية والدنيوية ليصل إلى اليقين. كلنا يتذكر واقعته التى رواها مع واعظ وخطيب وإمام مسجد سيدى عز الرجال بطنطا الذى استخف بعقله وهو طفل صغير فكان سبباً فى رحلة الشك التى رافقته..

ومنذ تلك اللحظات اكتسب الدكتور مصطفى محمود بداخله الإصرار الذى كان دافعه إلى تحقيق أحلامه بأن يكون مفكراً كبيراً يطرح رؤية جديدة تفيد البشرية وكان من بين هذه الأحلام أن يبحث فى عمق الدين الإسلامى ليخرج للعالم الإسلامى بنظريات دينية فلسفية مباحة وليست فلسفية ملحدة كما يظن البعض والتى كان من بينها تفسيره العصرى للقرآن الذى أثار جدلاً فى مصر والعالم العربى فقد كان هذا الكتاب الذى أراد فيه أن يطرح رؤية جديدة لتفسير الآيات الكونية سبباً فى تحامل الكثير من الأئمة عليه..

وهنا يقول مصطفى محمود:لم أكن فى يوم من الأيام رجل دين بل أنا فنان دخلت إلى رحاب الدين من باب الفضل الإلهى ومن باب الحب والاقتناع وليس من باب الأزهر الذى أقدره وأحترم بعض مشايخه ولكنى أرفض سياسة البعض منهم فى تفسير القرآن ومنهجية دراسة الدين الإسلامى التى فقدت بريقها.. ومن هنا كان حكمى دائما حكم الشاعر وليس الشيخ أو الفقيه..

بل فقط الشاعر الذى أحب الله فكتب فى عشقه قصيدة وبنى له بيتا ولكنه ظل دائما الفنان بحكم الفطرة والطبيعة وذلك الفنان الذى مملكته الخيال والوجدان وكان دائما ضعفى وقوتى فبهذه الروح النقية أحببت أن يقرأنى الناس فما تصورت نفسى أبدا مفسراً لقرآن أو حاكما فى قضية فقه أو شريعة وإنما كانت مجرد محاولات من مفكر تحتم عليه أن يقدم للبشرية كل ما هو مفيد ودائما يكون دوره لا يزيد على إثارة العقل وإخراجه من رقاده وإيقاظ القلب من موته فقد كان كتاب «الله والإنسان» الذى تكلمت بشأنه من قبل أول أعمالى والذى أثار جدلاً واسعاً وبسببه وجه لى أول اتهام بالكفر

ولكنى بعد أن تخطيت مرحلة الشك ووصلت للإيمان واليقين واجهت أخطائى بشجاعة لإيمانى بأن الاعتراف بالخطأ صدق مع النفس، وإيمانا بهذه المبادئ كان إصرارى الشديد على أن يحذف هذا الكتاب بعد ذلك من مجموعة أعمالى الكتابية والأدبية والفكرية والفلسفية ولكن كنت أحدث نفسى كثيرا كيف أمر بكل هذه التجارب الصعبة دون أن أقصها على الناس ليستفيدوا منها وحتى تكون طريق هداية وتجنب الأخطاء لأبنائنا وجاءتنى الفكرة فى إعادة طباعة كتاب الله والإنسان ولكن بعد أن أجريت بداخله التعديلات التى تؤهله للنشر وبالفعل صدر تحت مسمى «حوار مع صديقى الملحد» ولاقى إعجاب الجميع ولكن لأن بعض أصحاب العمائم يستهويهم مشاغبتى فنادوا من فوق منابرهم بأن ذلك الكتاب اعتراف صريح منى بالكفر وأن ذلك الصديق الملحد كان هو أنا أيام الإلحاد ورحلة البحث ولكن كانت أعيرتهم اللفظية هذه المرة فشنك..

ولم يستمع لهم أحد سواء من الشارع المصرى والعربى أو المسؤولين ولم أقدم لمحاكمة كما كانوا يطالبون بحجة دفع المجتمع للإلحاد وهنا يجب أن أوضح نقطة مهمة جدا وهى أنه من الممكن أن يغير الكاتب أو الباحث فى الطبعات المختلفة لكتبه ومؤلفاته عن الطبعات الأولى وذلك لاقتناعه بأفكار جديدة تلائم روح أو ظروف العصر لم يكن يعيها أو يتطلع إليها من قبل ولقد حاكمت نفسى من خلال هذا الكتاب وعرفت ما هى أخطائى وذلك لأنه لابد أن يراجع الكاتب أفكاره وأنا أؤمن بأن من يخطئ على الملأ يجب أن يتوب وينوب على الملأ أيضا..

فالإنسان فى كثير من الأحوال خاطئ والقرآن هو الكتاب الوحيد الكامل كما قال الله ورسوله وهو الذى يؤخذ منه ولا يرد عليه أو يجادل فيه أحد ولهذا فقد فسرت بعض آيات وسور من القرآن وخرج فى كتاب تحت مسمى «القرآن تفسيرا عصريا» ولكن واجه نفس موجة الاعتراضات والتكفير وكانت هذه هى السمة الغالبة والموجودة تجاهى دائما من المشايخ فهم لا يريدون أن ينافسهم أحد وبالطبع لم يفهمه البعض وأخذوا المعنى خطأ وقد كنت أتكلم فيه حول قضية أن القرآن فى كل عصر يفض مكنونا جديدا ومن أجل هذا نقول إن القرآن لا ينتهى فيه كلام فهو ليس مثل أى مقال يكتب ويبرز مضمونه بعصره ولا يقرأ بعد ذلك ولكن القرآن مضمونه ثرى وغنى جدا ففى كل عصر يعطى لك معنى جديداً

وأيقنت أن الطريق إلى الله وفى رحابه هو خير الطرق وأن اللجوء إليه هو أعظم وأجل ودائما كان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فى دعائه «اللهم بك انتصرت اللهم بك أصول اللهم بك أجول ولا فخر لى» فهو يعتبر فى كل حركة بالله سبحانه وتعالى ثم يأتى الرسول فى دعائه ويقول «اللهم إنى أعوذ بعفوك من عقابك اللهم أعوذ برضاك من سخطك اللهم أعوذ بك منك» وقد نتساءل على عبارة الدعاء الأخيرة وهى اللهم أعوذ بك منك وتقول كيف؟

وفى هذه المقولة كنت أفسر أن الذى خلق الشيطان هو الله سبحانه وتعالى وهو أيضا خالق الميكروبات والسرطانات والموت وهو مفجر البراكين والزلازل وهو الضار النافع فبدلا من أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يقول أعوذ بك منك لا أحد غيره لأن الشيطان ما هو إلا جند من جنوده ومخلوق من مخلوقاته وبنفخة من الله يطير وهذا فى حد ذاته منتهى التوحيد وما خرج كتابى يحمل هذه المعانى إلا وظهرت موجة جديدة من التكفير تطاردنى بعد أن كانت اختفت لبعض السنوات وطالبت نفس الفرقة بتكفيرى وإعدامى بالرغم من أن هناك فئة اقتنعت بتلك التفاسير وكانوا علماء فى مجال التفسير.

وأيضا حمل كتاب التفسير العصرى للقرآن تفسير بعض الآيات الكونية التى تتحدث عن النجوم والفلك والقمر والليل والنهار والكون والطبيعة وقلت فى تفسيرى لها إنها لم تكن مفهومة فى عصرها لأن السلف الصالح لم تكن لديهم الخلفية العلمية لعلوم الفلك وأيضا لم يكن ظهر فى عصرهم الأجهزة الدقيقة والعلم المتقدم الذى أصبح فى عصرنا يحمل صاروخ الرجل إلى القمر والكواكب الأخرى ولكن الآن أصبحت مفهومة ويمكن تفسيرها بشكل أعمق وأصدق وفسرت هذا بأنه العطاء الجديد للقرآن الكريم ولكن المهاجمين لى حملوا مشاعل الثورة ضدى وقالوا كيف يفسر القرآن وهو ليس بأزهرى ويرتدى بدلة ولا يرتدى الجلباب فكنت أضحك من حجتهم هذه وأقول يا حسرتاه على الدين الذى تتحكم فيه وتدرسه لأبنائنا تلك العقول التى لا أجد كلمة فى قاموس الوصف تصف أحوالهم..

لكنى كنت دائما أرد عليهم «أنا الذى لم أتعود الرد والدفاع عن نفسى أبدا وأترك من يتكلم ينبح لأن الزمن سيثبت صدق نظرياتى» بعد أن يفيض بى الكيل أقول «تقولون إنكم ترفضون تفسيرى للقرآن وتدخلى فى شؤون الدين لأننى لست أزهريا ولا أنتمى إلى هيئة تدريس من علماء العالم الإسلامى فيقولون نعم.. فأقول ما قولكم فى سيدنا أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وعقبة بن نافع إلى آخر الصحابة.. فيقولون لا غبار عليهم.. يعنى لم يتخرجوا من الأزهر الشريف ومع ذلك تأخذون العلم عنهم فكانوا يصمتون!!

ولكن أكثر ما تأثرت كثيرا فى موجة كتاب «تفسير القرآن» عندما هاجمتنى بنت الشاطئ رغم أننى بعد أن اجتهدت وكتبت لم أشرع فى طباعة الكتاب قبل أن أعطيها نسخة منه لتطلع عليها وتقول رأيها فيه وذلك لأنى كنت أقدر وأعتز بآرائها فى قضايا الدين فهى كانت عالمية فى مجالها بمعنى الكلمة وفوجئت فى أحد الأيام باتصال تليفونى تطلب منى زيارتها فى منزلها فذهبت وعلى الفور وبمجرد أن شاهدتنى قالت لى «إيه الأسلوب الرائع ده.. اجتهاد رائع.. وعمل تحسد عليه..

وسيلاقى إعجاب الجميع» وقالت «اخترت للكتاب اسم ولا لسه فقلت لها هيكون شرف ليه لو اقترحتى عليه اسم» فقالت اسمع سمه «التفسير العصرى للقرآن» وبالطبع الاسم أعجبنى كثيرا وعلى الفور أطلقته على الكتاب ولكنى تأثرت كثيرا وكنت أسأل نفسى لماذا فعلت هذا وهى من أطلق على الكتاب اسمه وهو دليل على أنها اقتنعت بمضمونه الذى يحمل رؤية جديدة للتفسير فقد أحزننى كثيرا هجومها على وعلى الكتاب فى جريدة الأهرام التى قالت فية «إننا لا يجب أن نتورط إلى المزلق الخطر الذى يمكن أن يتسلل إلى عقول أبناء هذا الزمان وضمائرهم فيرسخ فيها أن القرآن إذا لم يقدم لهم علوم الطب والتشريح والرياضيات والذرة فليس صالحا لزماننا ولا جديراً بأن تسيغه عقليتنا العلمية ويقبله منطقنا العصرى هكذا باسم العصرية نغريهم بأن يرفضوا فهم القرآن كما فهمه الصحابة فى عصر البعث ومدرسة النبوة ليفهموه فى تفسير عصرى من بدع هذا الزمان»

واتهمتنى بأننى نموذج لمن يتكلمون فى القرآن بغير علم وأنها تخشى على الدين الإسلامى والقرآن الكريم من بدع التأويل بالرأى والهوى وأخرجت كتاباً كاملاً تهاجمنى فيه ولم أعرف حتى اليوم سر هذا العداء الرهيب الذى حملته لى رغم أنها وافقت على الكتاب قبل طباعته وقالت تفسيرك عصرى وجميل ولذلك أطلق اسم التفسير العصرى على كتابك «وهجوم بنت الشاطئ وكتابها سيكون موضوع حلقة قادمة»..

ثم حدث هجوم رهيب ضدى وضد كتابى من الجماعات الإسلامية وتعرضت للتهديد بالقتل منهم أكثر من مرة عن طريق التليفون وعن طريق خطابات البريد وكنت أعيش فى حالة من القلق والحياة غير المستقرة ليس خوفاً على حياتى ولكن على حياة أبنائى..

فأنا تعودت على تلك الحياة المليئة بالمغامرات ولكن انتهى الهجوم كما يحدث دائما بعد أن استقر العلم وأصبح اتجاها مستقرا فى الأذهان برغم أنف الجميع لأننى حين قلت التفسير العلمى فإننى لا أعنى بذلك القرآن ككل وإنما الآيات الكونية وهى آيات محدودة وتتناول الفلك والنجوم والسماوات والجبال فلابد أن يظل باب الاجتهاد مفتوحاً وغير مقصور على فئة معينة من الناس فلا يمكن أن يحصل رجل الدين فى الإسلام على مكانة الحاخام عند اليهود أو البابا فى المسيحية أو الخومينى عند الشيعة حتى يصبح له مكانة أكبر من الإله ويشرع على أهوائه ويكفر من يشاء فرجل الدين له احترامه ومنزلته ورمز للإسلام

ولكنه ليس إلها أو نبياً مرسلاً ومن الطبيعى أن يحمل نظريات خاطئة وليس الدين مقصوراً عليه وحده فمازلت لا أعلم لماذا يغضب هؤلاء رغم أن علم الفلك ليس تخصصهم والآيات الكونية أيضا ليست تخصصهم وهؤلاء يتصورون أن القرآن نزل للسلف ولقريش فقط وهذا غير صحيح فنحن مدعوون لأن نتدبر القرآن والله سبحانه وتعالى يدعونا لأن نتدبر «ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر» وإذا كان هؤلاء يؤمنون بالتخصص فكل ما ورد فى الموضوعات العلمية والفلكية لا يدخل فى تخصصهم.

وبعد كل ما دار من أزمات ومواجهات وإصرارى على مواجهتها بشجاعة لأثبت صحة رؤيتى المختلفة لتفسير القرآن.. كان كتابى التفسير العصرى للقرآن وباعتراف الصديق والعدو هو البوابة التى حطمت احتكار الدين على أصحاب العمائم مرتدى العمة والكاكولة خريجى الأزهر الشريف الذى أقدره وأحترمه.. وكان هذا يعد بمثابة مبادرة ودعوة لدخول الكثير من المجتهدين بعد ذلك وربما نرى بعضهم على الساحة الإعلامية الآن من الدعاة المودرن مرتدى البدل والكرافتات»..

وقمت بعد ذلك بإصدار العديد من الكتب الخاصة بالدين الإسلامى والأديان الأخرى بداية بكتاب الله والسر الأعظم ورأيت الله والتوراة والإنجيل والبهائية قبل أن يعرفها الناس ويظهر أتباعها على الساحة الإعلامية، والكثير من الأعمال الأخرى حتى وصلت مجموعة مؤلفاتى اليوم إلى تسعة وتسعين كتاباً ولكن لم يقف اجتهادى عند هذا الحد الذى مازلت أعتبره بسيطاً.

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود - الحلقة (١٩).. «إلحادى» كان صحياً

■ (أنا عمرى ما شككت فى وجود الله سبحانه وتعالى.. وأنه الواحد الأحد القهار.. ولم ينتبنى الشك مطلقاً فى القدرة الإلهية وأنها تدير هذا الكون الكبير من حولنا وأن هذا الكون باتساعه الكبير هو خير برهان ودليل على وجود الخالق الأعظم فهو يفصح ويثبت ويبرهن بل يهتف (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

■ الشك كان فى مسألة القضاء والقدر والجبر والاختيار والجنة والنار ونوع الخلود وشكله ومظهره. وكان رجال الدين يعتبرون أن مجرد التفكير فى مثل هذه المسائل يعتبر الكفر بعينه.. وأنا لم أكن كافراً!.. وهذا هو السبب فى أن كامل الشناوى قال لى فيما بعد: «قديما كانوا يفكرون ويتعمقون فى مثل هذه الشكوك دون أن يعرضوا للشنق وهى قضايا الجبر والاختيار.. والقضاء والقدر.. والجنة والنار.. والبعث والخلود»

مصطفى محمود

الإلحاد كلمة كثيراً ما هاجمها أبناء الدكتور مصطفى محمود وحاربوها بشدة وكرهوا كل من أطلقها عليه أثناء حياته.. أمل مصطفى محمود ابنته الكبرى وأمه الروحية فى نصف عمره الأخير.. وهبت عمرها منذ زمن لا بأس به لأبيها، تهتم بكل تفصيلة فى حياته.. تقرأ له وتقرأ عنه.. تغار عليه بشدة، ذات مرة احتقن صوتها وهى تتكلم عن كلام نشرته الكاتبة لوتس عبدالكريم.. رغم رقة أمل وهدوئها وأدبها الجم تحمل بداخلها قنبلة قد تنفجر فى وجه كل من يفكر فى أن يهمس بشىء عن أبيها.. أو يتكلم بحديث خاطئ عنه، خصوصاً من يطلق عليه هذه الصفة.. «ملحد».

أما نجله آدهم بملامحه الطيبة الرجولية وهدوئه الخالص وثباته عند الانفعال وخجله عند الإطراء.. يحتقن وجهه كثيراً إذا ذُكر أبوه بأى سوء وهو المتشبع بنبض أبيه.. ربما أخذ أشياء منه لكنه يختلف عنه فى كثير من الأشياء الملحوظة مثل الجسم الرياضى والعقلية التجارية.. مع ذلك نجد أنه يرفض وبعنف أى وصف لأبيه بتلك الصفة الشنيعة.. «ملحد».
نذكرها هنا صريحة.. لا تحتمل الجدل أو الهزل (الدكتور مصطفى كان فى أحد الأيام ملحداً!!) نعم كان فى شبابه ملحداً.. حتى ولو رفض أدهم وقال: كان شكاً.. أو ترتاع أمل وتقول كيف يلحد أحد الأشراف.

وهنا الأمر يحتاج منا وقفة.. ولندع الدكتور مصطفى يحكم بنفسه فى تلك القصة.. وسنجده يؤكد فى تسجيله الصوتى: «أنا مررت بكل المراحل الفكرية من الشك إلى اليقين، من الإلحاد إلى أن أصبحت خادم كلمة التوحيد».. هل فى هذا الكلام ما يزعج؟

طبعاً هناك ما يزعج.. فمن وجهة نظر كل الناس الملحد هو شخص ضد الله، وضد الدين، ويكرهه الناس حتى لو كان هؤلاء الناس أنفسهم غير مهتمين بالدين ولا يعرفون عن الالتزام به شيئاً، ولكن الحقيقة أن عالمنا الكبير مصطفى محمود إبان عمله كطبيب فى أول حياته كانت الفكرة قد بدأت تختمر فى أرجاء عقله فيقول: «لم تكن هذه البداية.. فالبداية منذ الطفولة منذ كتاب سيدى عز والشيخ الدجال الذى سبب وعظه الخاطئ لى نفوراً شخصياً منه وإلى أن يتجه عقلى إلى طريق آخر فى التفكير.. وببساطة أسرد لك بداية مرحلة الشك فى صورة أفكارى وأنا طفل وهو: لماذا نستقبل منذ مولدنا كل الأفكار كمسلمات يجب أن نرضى بها؟! لماذا نقنع بكل ما يدرس ويعلم لنا من الكبار؟! هل هم علماء وكلامهم يقين؟! هذه هى بداية الشك التى تحدث عادة لأى أحد فى نفس مرحلتى وظرفى».

الحقيقة أن فى كلام الدكتور مصطفى محمود خير شرح للحالة التى ثار حولها الجدل، وظلت تلاحقه فى كل أزمة يمر بها فيما بعد من بداية للتفسير العصرى للقرآن ثم الشفاعة.. الإلحاد الذى يقصده الدكتور هنا ليس المقصود به الشرك، حاشا لله، وليس المقصود الكفر بالله أو أنه الإلحاد الذى يتعلق به الماديون والجدليون أو الهيجليون.
ولكن ما يقصده هو كما أخبرنا (أنا عمرى ما شككت فى وجود الله سبحانه وتعالى.. وأنه الواحد الأحد القهار.. ولم ينتبنى الشك مطلقاً فى القدرة الإلهية وأنها تدير هذا الكون الكبير من حولنا وأن هذا الكون باتساعه الكبير هو خير برهان ودليل على وجود الخالق الأعظم فهو يفصح ويثبت ويبرهن بل يهتف (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

الشك كان فى مسألة القضاء والقدر والجبر والاختيار والجنة والنار ونوع الخلود وشكله ومظهره. وكان رجال الدين يعتبرون أن مجرد التفكير فى مثل هذه المسائل يعتبر الكفر بعينه.. وأنا لم أكن كافراً!.. وهذا هو السبب فى أن كامل الشناوى قال لى فيما بعد: «قديما كانوا يفكرون ويتعمقون فى مثل هذه الشكوك دون أن يعرضوا للشنق وهى قضايا الجبر والاختيار.. والقضاء والقدر.. والجنة والنار.. والبعث والخلود».. ولكن كل هذه المسائل والقضايا تغير فيها تفكيرى تماماً بعد بحث وتفكير كبيرين، مع إطالة التفكير والتدبر والتعمق فى آيات القرآن. وأحسست أن القرآن كتاب عجيب.. لا تستطيع أن تحذف أو تضيف حرفاً إليه.. القرآن جامع مانع.. نسيج وحده.. دستور للبشر أجمعين فى كل زمان ومكان.

إذاً الإلحاد المقصود هنا هو إلحاد صحى.. ليس إلحاد الجماعات الشمولية الذى يريد عدد من أفرادها الكسالى أن يتخلصوا من عبء الفروض الدينية أو ما يلحق بها أو يبعدوا عن أذهانهم سبب آلام ضمائرهم.. فخلاصة أى كلام عن إلحاد الدكتور مصطفى محمود تكون أنه إلحاد من أجل الوصول إلى الإيمان الكامل.. اليقين التام.. وهكذا.

فى كل عصر يظهر فيلسوف معين فى زمن صعب وأوقات المحنة فى عصره.. يرفض الفيلسوف أن يسير على خطى السابقين.. يسأل نفسه إذا كان الكلام الذى يعلمونه لنا هذا كاملاً ويقينيا، فلماذا ساء الوضع وتدهور هكذا.. الأمر يحتاج إعادة التأكد من صحة المسلمات التى تلقن فى أماكن العلم.. مر بهذه المرحلة الكثير بداية من أفلاطون فى الدولة الإغريقية.. إلى ديكارت صاحب المبدأ الشهير (أنا أفكر إذاً أنا موجود)..

كل هؤلاء الفلاسفة باختلاف مراحل علمهم ودرجاته مروا بمراحل الشك واليقين حتى يصلوا إلى درجة معينة من اليقين.. ولكننا هنا سنتوقف عند أحد الفلاسفة المسلمين الذى مر بالمرحلة نفسها التى مر بها فيلسوفنا مصطفى محمود.. وهو أبوحامد الغزالى.. وقد اقترب مصطفى محمود فى ذلك من الإمام الغزالى ـ رحمه الله ـ وما ذهب إليه فى كتابه «المنقذ من الضلال»، إذ يقول فيه: «كان التعطش إلى إدراك حقائق الأمور دأبى وديدنى، من أول أمرى وريعان عمرى، غريزة وفطرة من الله وضعتا فى جبلتى، لا باختيارى وحيلتى، حتى انحلت عنى رابطة التقليد، وانكسرت علىّ العقائد الموروثة على قرب عهد الصبا».

وإذا استمعنا إلى كلام الدكتور مصطفى محمود: «فى عنفوان شبابى كان تيار المادية هو السائد، وكان المثقفون يرفضون الغيبيات، فكان من الطبيعى أن أتأثر بمن حولى»، ولذلك كما يقول فى أحد كتبه: «احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق فى الكتب، وآلاف الليالى من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين».

وبالرغم من اعتقاد الكثيرين أن مصطفى محمود، أنكر وجود الله عز وجل، فإن الكلام السابق والتالى يوضح أن المشكلة كانت فلسفية فى الحقيقة، فقد كان يبحث عن مشكلة الدين والحضارة، أو العلم والإيمان، وما بينهما من صراع متبادل أو تجاذب، وقد ترجم لحياته الروحية قائلاً: «إن زهوى بعقلى الذى بدأ يتفتح، وإعجابى بموهبة الكلام ومقارنة الحجج التى تفردت بها، كانا هما الحافز وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب.

ومع هذا العقل العلمى المادى البحت بدأت رحلة مصطفى محمود فى عالم العقيدة.

وعلى الرغم من هذه الأرضية المادية التى انطلق منها فإنه لم يستطع أن ينفى وجود القوة الإلهية، فيقول: «تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة فى الكون، التى تنظمه فى منظومات جميلة، من أحياء وجمادات وأراض وسماوات، هو الحركة التى كشفها العلم فى الذرة وفى الـ«بروتوبلازم» وفى الأفلاك، هو الحيوية الخالقة الباطنة فى كل شىء».

وكما حدثنا الغزالى عن الأشهر الستة التى قضاها مريضاً يعانى آلام الشك، حتى هتف به هاتف باطنى أعاده إلى يقين الحقيقة العقلية، وكشف له بهاء الحرية الروحية، ومكنه من معرفة الله، نجد مصطفى محمود يتحدث عن صوت الفطرة الذى حرره من سطوة العلم، وأعفاه من عناء الجدل، وقاده إلى معرفة الله، وكان ذلك بعد أن تعلم، فى كتب الطب أن النظرة العلمية هى الأساس الذى لا أساس سواه، وأن الغيب لا حساب له فى الحكم العلمى، وأن العلم ذاته هو عملية جمع شواهد واستخراج قوانين.

وهكذا كانت رحلته من الشك إلى اليقين تمهيداً لفض الاشتباك بين العلم والإيمان، وذلك عن طريق علو الإنسان فوق المادة إلى ما هو أبعد أفقاً وأرحب مدى.

هل استوعبنا الموضوع؟ الأمر ليس بسيطاً بالمرة.. الموضوع الذى مر به فيلسوف مصر الحديثة.. إنه ليس حدثاً عادياً يمكن أن نتناوله ككلام متداول.. بل يجب أن نضع الصورة فى إطارها الصحيح.. إن هذه المرحلة التى مر بها الدكتور تاريخية لا تحدث إلا للفلاسفة المتأذين من الغث الثقافى المحيط بالمجتمع.. ويريدون إصلاح هذا المجتمع.. فكيف يصلحونه والمعارف أصابتها الشوائب..

فيكون الطريق هو عدم التسليم بأى شىء محيط، ويحول ذاكرته إلى صفحة بيضاء ليبدأ فى دراسة الوجود من أول (١-٢-٣) ليبدأ فى دراسة الأشياء والحقائق، كل على حدة وكلما تأكد من صحة شىء وأهميته تحول إلى الإيمان به وهكذا.. وإذا كان الفيلسوف أبوحامد الغزالى قد بدأ مرحلة الشك بنفى وجود الخالق نفسه فإن الفيلسوف مصطفى محمود قد اعترف بأنه لم ينكر وجود الذات الإلهية أبداً وأخيراً.. لخص الدكتور هذه المرحلة فى عدة كلمات بمثابة الروشتة لكل حائر وهائم.

أولاً: لم أبدأ مرحلة الشك هكذا من العدم وأنا غير مسلح بإيمان قوى أو وأنا عندى ضعف ما فى أى فرع من فروع الدين فأنا منذ طفولتى المبكرة شعرت بقلبى وعقلى يتجهان إلى الدين.. وتستطيع أن تقول: إننى فى الفترة ما بين سبع سنوات إلى اثنى عشر عاماً كنت متجهاً للدين بكل حواسى ومشاعرى.. أصلى الفروض جميعها فى المساجد وأستمع بإنصات واهتمام شديدين إلى الأئمة والشيوخ والدعاة فى المساجد وكنت أتردد فى هذه الفترة على مسجد وضريح سيدى عز مع صديق لى يدعى «فرج» نصلى الفروض والسنن ونستمع إلى وعظ شيخ الجامع وندون ما يقول ونحضر المولد وحلقات الذكر..

وهذا معناه أن هذه المرحلة الملحمية فى حياة الفلاسفة غير متاحة لكل الأفراد.

ثانياً: لا يجب أن يتأثر الأفراد فى مرحلة خلوتهم ـ مرحلة التفكير ـ بأى مؤثرات خارجية لأنى قد تعرضت من اليسار وقتها إلى إغراءات كثيرة خصوصاً بعد كتابى الأول «الله والإنسان» فقد كان تنظيماً دقيقاً، إذا صادف فى طريقه كاتباً يميل ولو من بعيد إلى أفكاره فإن مهمته تكون والحالة هذه: هى استقطابه ودفعه فى طريقه لكى يعمل أكثر.

فحين صدر هذا الكتاب فى البداية فوجئت بـ«محمود أمين العالم» يكتب مقالة يمجد فيها ظهور كاتب موهوب مجيد هو شخصى، ولأنى قلت ما يريدون نصبونى زعيماً، أذكر أننى كتبت قصة فى «صباح الخير» عن رجل زبال فأصبحت بأقلامهم أعظم كاتب.. أصبحت تشيكوف عصره.. بل قيل عنى يومها إن تشيكوف ظهر فى التاريخ من جديد، وأنا نفسى كنت مندهشاً لإعجابهم بهذه القصة بالذات رغم أنها كانت لا تعدو أن تكون عادية للغاية، بل لم يقتصر الأمر على ذلك فقد وضعوا القصة فى سلسلة اسمها «الغد» ووصفوها بأنها من عيون الأدب.. وعندما عدلت وعرفت الطريق الصحيح كاد هؤلاء الناس يفتكون بى، اتهمونى بالردة الاجتماعية والنكسة الفكرية، وهذا يدلك على أنهم ليسوا مخلصين بالمرة، وأنهم يكيلون وليس لديهم مكيال واحد للعدل.

ولهذا حذفت هذه القصة من كل مؤلفاتى بعد ذلك ولم أدخلها أى مجموعة قصصية، لقد كانت مدرسة، بل قل مدفعية ظهرت وقتها، عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم، كانت مدفعية إرهابية من أجل أن يسير الكتاب كلهم فى طابور واحد.. ومن أجل أن ينادى الكتاب كلهم بالاشتراكية العلمية والشيوعية والماركسية وكتب الحفاة.. وإلا لا يصبح من يكتب على هواهم أديباً!!

أنا بعد هذا الكتاب بدأت أعيد النظر فى كل شىء من حولى، وأولها هذا الكتاب الذى ألفته فوجدته مليئاً بالثغرات ولا يفسرنى، خاصة أن الفكر الاشتراكى يحاول استقطابى وتتويجى زعيماً، وأنا بالطبع لم أنضم لأى تنظيم لهم ولم أتعرف على كوادر يسارية منهم.. والحقيقة أننى بعد أن قرأت بإمعان ماركس لم أقتنع بما يقوله وأحسست أن هناك خطأ ما فى كتاباته، ولهذا حين دخلت فى حوارات ومجادلات مع محمود أمين أفحمته وفندت آراءه خاصة فى الندوة التى عقدت أيامها فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ويومها سحبت البساط من تحت قدميه، وقال له زملاؤه بعدها: أرأيت ماذا فعل بنا الرجل الذى امتدحته ورفعته إلى عنان السماء السابعة؟!..

لقد اتضح أن مصطفى محمود هذا درويش أهبل.. سوف ينتهى به الحال إلى أن يجلس على الرصيف أو يجلس أمام أحد الجوامع زعيماً للمهابيل!
إنك باحتضانك لهذا الرجل ودتنا فى داهية!!

وبدأت بينى وبين نفسى حواراً طويلاً وقرأت كل ما كتب فى الفلسفة وعلم النفس بدءاً من سقراط إلى أفلاطون وأرسطو وهيجل انتهاء بكارل ماركس ووليم جيمس، وتعمقت فى قراءة الأديان من أول الفيدات الهندية والبوذية والزرادشتية وأخذ ذلك مجالاً طويلاً معى.. رحلة طويلة بينى وبين الأربعة جدران انتهت بشاطئ الإيمان.. أحسست بعدها فى النهاية أن القرآن الكريم جامع مانع.. تناول كل شىء فى هذا الوجود، ويعطى الإجابات النهائية لكل المسائل والقضايا التى كانت تحيرنى وتشغل عقلى، وليس هذا فقط ولكن القرآن يضم فى عباءته كل الأديان والفلسفات وخلاصتها.

ولكن كان لليسار اتجاه بالفعل وقتها، فالذى يسير فى طرقهم يشيدون به ويكتبون عنه مقالات والذى يغير طريقه عنهم يتناسونه أو يهاجمونه، حدث هذا فى الستينيات ولم يقتصر الأمر على الأدب بل امتد إلى السينما والمسرح.. وكل ذلك لم يأت نتيجة الفقر والجوع للبلد بل نتيجة الاقتصاد الشمولى الذى نادوا به فى حين تغير العالم كله، لقد رأوا بأعينهم سقوطهم الذريع.. فى خلال ٢٤ ساعة استيقظوا من نومهم فوجدوا جميع صحف العالم توجه إليهم اللعنات.. يديرون مؤشر الراديو فى كل اتجاه فيجدون أصوات الشعوب تهتف بسقوط الشيوعية حتى داخل روسيا نفسها.. إننى أشفق عليهم.

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود - الحلقة(١٨)الجمعية الخيرية كانت تجسيداً لأحلامى ونظرياتى الاقتصادية

■ إذا أردت أن تقدم يد العون لعباد الله.. فمد يدك لا تنتظر من الدولة ولا تنتظر من الآخرين ولا تنتظر من العالم كله أى شىء فقط مد يدك وسيصل العون لأصحابه

■ شعرت أحيانا أن هناك أصواتاً تنادى علىَّ من أماكن لا أعرفها.. لا يوجد أفقر من فقراء الأماكن القافرة فى مصر.. لا يوجد أكثر احتياجا منهم.. سيناء.. والواحات.. والصعيد.. وريف مصر

■ فى الأصل كدت أن أنشئ الجمعية فى أرياف الجيزة حتى تتوجه بخدماتها إلى المحتاج الحقيقى لكن الظروف جعلت من منزلى مقراً للجمعية فى ميدانى

مصطفى محمود

«قيمة الإنسان هى ما يضيفه للإنسانية من ميلاده وحتى وفاته».. كان هذا هو المبدأ الذى يؤمن به فيلسوف الشرق الدكتور مصطفى محمود، وهذا يدعونا إلى طرح مجموعة من الأسئلة لم تكتمل الإجابة عنها فى الحلقة السابقة وهو هل بالفعل تحدثنا عن رحلتى الشتاء والصيف فى حياة فيلسوف الشرق الدكتور مصطفى محمود الحديث الكافى الذى تستحقه تلك الرحلة العظيمة والفريدة والتى لم يقم بتطبيق مبادئها أحد غيره منذ قرون عديدة..

وهل عرفنا كيف أن الدكتور مصطفى محمود رفض أن يكون فاعل خير- من مكاتبهم- ينظِّر ويطلع ويعيش فى قراءات.. لم يحدث هذا على الإطلاق.. لقد توصل إلى حقيقة ثابتة واحدة.. وهى أن فعل الخير لا يلزمه انتظار الدولة.. ولا يلزمه من الدولة أن تنتظر -كما قال- بواقى وفضلات الدول الأخرى مسماة فى شكل معونات..

ولذلك أقام جمعيته التى سماها «مسجد وجمعية محمود الخيرية» وهنا قال الدكتور مصطفى محمود.. أقمت مستشفى لعلاج المرضى بالمجان باستخدام أحدث الأجهزة فى العالم- بالفعل قام بتحديثها لدرجة استقدام خبراء لاستخدامها وتدريب أطباء الجمعية الشبان عليها- ولم يزد الكشف أبدا عن قيمته المعروفة (جنيه واحد)..

ولكن كل هذا لم يرض نفسى.. لم أشبع من تقديم الخير للفقراء فى مصر.. وكنت دائما احس أن الفقير الحقيقى فى بلدنا موجود على الهامش فى سيناء والصعيد.. وأرياف مصر.. فى الواحات.. حيث لا يوجد دعم ولا توجد حكومة وهو ما دفعنى إلى التحرك صوبهم.. أخذت قوافلى الطبية والإغاثية والثقافية.. أخذت تلاميذى من الأطباء والمعلمين والممرضات.. للنزول إلى قلب الحدث داخل القرى والأقاليم كنت أريد أن أقدم دائما العون ليكون مثل الغوث والنجدة وكنت دائما أنجح بأن أعطى الإعانات المادية والمعنوية.

«وهنا نستطيع أن نقول إن أفكار الدكتور مصطفى أفكار اقتصادية بارزه أثرت على مصر كلها وهذا ليس مجرد كلام فعندما يفاجئنا الدكتور مصطفى بمغامرات اقتصادية قام بها من أجل إرساء أفكاره على شاطئ الاستقرار واليقين بأنه يؤدى ما خلق من أجله فيجب أن نستمع له» وهو يقول «أنا اول من أقر نظام القرض الحسن الدوار..

ففى وسط وحشية الرأسمالية وانتكاسة الاشتراكية وهنا قد يظن البعض أننى أتراجع عن أفكارى الحادة ضد الاشتراكية أمام الرأسمالية المتوحشة ولكننى أؤكد أننى من ألد أعداء الاثنين سواء الرأسمالية المتوحشة أو الاشتراكية الهدامة..

المهم فى وسط هذا التوحش الرأسمالى كان الفقراء مظلومين مطحونين بلا سند أو داعم غير رحمة الله ولقد أرسيت فى الجمعية نظاماً لإقراض الفقراء بلا فوائد وفى الوقت نفسه لا أعطى للفقراء القروض فى صورة أموال.. لأنى كنت أنظر للأموال على أنها مجرد مجموعة من النقود ستنتهى منفعتها بإنفاقها لكن عندما تطلب أسرة من الأسر المصرية البسيطة قرضاً من الجمعية وتعطيهم الجمعية بدلا من تلك الأموال أدوات إنتاج مثل آلات أو ماشية أو.. أو.. فإن هذه الأسرة ستعمل وذلك يدير عجلة الإنتاج الوطنى وسيترتب على ذلك تقليل البطالة بتشغيل أيد عاملة وأخرى مساعدة وسيترتب على ذلك الربح، وهنا تستطيع تلك الأسرة وبمنتهى السهولة واليسر أن ترد القرض الذى حصلت عليه وهى مازالت تمتلك وحدات الإنتاج التى لديها أيا كان نوعها- مع ملاحظة أن القرض قرض حسن بلا فوائد- لاحظ هنا أن القرض المردود لا يرد للجمعية بل تحصل عليه عائلة أخرى فى حاجة للقرض..

وبهذا نساعد المحتاج عملا بالمثل الصينى الشهير «بألا نعطيه السمكة بل نعطيه السنارة ليتعلم الصيد» ويعيش ويأكل هو وأسرته من إنتاجه وصنع يديه وطبقنا هذا المثل أيضا فى مراحل أخرى مختلفة قمنا بها فى الجمعية عندما أقمنا مركز التدريب الحرفى فى الزمالك واستعنا بالحرفيين لتعليم أبناء اليتامى بعد استكمال تعليمهم الأساسى ودعونا القادرين الذين يريدون التخلص من ملابس أو أثاث أو أجهزة عندهم أن يتركوها ونحن نأخذها ونعلم الأولاد عليها، إضافة إلى الشباب فقد أخذنا بنات الأسر الفقيرة وعلمناهن كيف يدرن المنزل وعلمناهن فعلا قواعد ومهارات إدارة المنازل وعلمناهن قواعد الطهارة والنظافة والأمانة.. والمفاجأة أن الشباب والبنات فى شهور التعلم هذه كنا نخصص لهم رواتب شهرية لتعينهم على مواجهة الحياة القاسية ولتكون بمثابة تشجيع لهم على العمل والاستمرار فى التعلم!!

إذن نحن أعطينا الأسر السنارة وعلمناهم كيف يصيدون وهى أفكار بدأنا تطبيقها منذ عقود ووصلت تغطيتنا الآن لأكثر من ٦٠٠٠ أسرة فى ٧ محافظات بما يزيد على ١٥ مليون جنيه شهريا!!

وهنا يشرد الدكتور مصطفى محمود بعض الدقائق ثم يقول.. أنتم تذكرونى بأيام جميلة ولكن هل تعلمون ما هى المشكلة الحقيقية عندنا فى مصر للأسف هى «مشكلة علم» فى المقام الأول دعوكم من الكلام المشهور بأن مصر نصفها أمى ولا يجيد القراءة والكتابة وأن معظمها لا يستطيع مسايرة تكنولوجيا المعلومات ففى زمننا الذى ذهب ولم يتبق منه غير الذكريات الجميلة كان مجتمعنا بالكامل أميا ولم يكن متأخراً بل بالعكس من يقرأ التاريخ الصحيح وليس المغلوط جيدا يعرف أننا فى هذه الفترة رغم الاحتلال بأنواعه وأشكاله المختلفة الذى كان واقعاً موجوداً بالفعل.. كنا أصحاب نهضة وحضارة والتى تدرس لطلبة المدارس الآن تحت مسمى النهضة المصرية الحديثة..

وهنا نخرج بأن محور التقدم الذى حاولت أن أنتقيه وأقدمه من خلال الجمعية هو العقلية المصرية ورغم كل وسائل التعجيز التى واجهتها عندما بدأت مشروعى إلا أننى مازلت أؤكد أن هناك فى كل شارع فى مصر عقليات رائعة.. فقط المناخ الفاسد هو من يخبئ هذه الزهور الجميلة من التفتح.. أنا أؤكد لكم أن لجنة براءات الاختراع فى مصر تحتوى فى أدراجها على كم هائل من الاختراعات التى لو طبق ربعها لأحدثت ثورة صناعية هائلة فى مصر.. لكن تقول لمين ومين يقرأ ومين يسمع، هذه العقول الشابة تبنيت الكثير منهم داخل الجمعية وحاولت بقدر المستطاع توصيل أصواتهم واختراعاتهم وابتكاراتهم ولكنى كنت أقابل دائما بالرفض وعدم الرضا لأن الكبار فى مصر يخشون منافسة هؤلاء الشباب!!

عندما شاهد علامات التعجب على ملامحنا أحب أن يضرب لنا مثلا.. فقال إن أحد أساتذة الجامعة الشباب فى مصر توصل فى بحثه العلمى إلى (مشروع السيلاج) وهو استخدام المخلفات الزراعية- زعازيع القصب- لإعادة تصنيعها كعلف حيوانى وكالعادة وجد عند الحكومة داء الصمت والتجاهل ولكنه عندما قابلنى وعرض على الفكرة انبهرت بالفكرة ولكنى أخفيت عليه ذلك الانبهار حتى أقوم بدراستها بشكل بحثى وعلمى حتى تكون إجابتى عليه وتشجيعى له على أساس صحيح وبعد أن تأكدت أنها دراسة هائلة ستجنى للدولة الثروات وستحول مخلفات إلى مواد صالحة الاستخدام تأكدت أيضا «لمصادماتى السابقة مع السادة المسؤولين عن البحوث العلمية» أن أى مسؤول ذهب إليه هذا العالم الشاب لم يستمع إليه من الأساس وبالفعل لم أعرض نفسى مرة أخرى لمرار التجربة مع تلك العقول المكتبية المتحجرة وبدأت فى تنفيذ المشروع على الفور وكانت النتائج مفاجأة للجميع..

فقد أحدث هذا المشروع ثورة عند عقول الفلاحين الذين اكتشفوا أن المخلفات التى كانوا يدفعون من أجل التخلص منها الأموال أصبحت ثروة تحقق أرباحاً أكثر من المحصول الذى يحتاج إلى سماد وخلافه من التحصينات الزراعية التى تجهدهم ماديا وأصبحوا لا يقومون بحرق تلك المخلفات التى تتكون من الزعازيع وأصبحوا يربحون من ورائها ولم يكن عائد هذا المشروع البحثى العلمى للفلاحين فقط بل كان للبشرية حيث ساعدت على ابتكار أسلوب القضاء على السحابة السوداء التى يتكون معظمها من حرق هذه المخلفات كما وفر هذا المشروع وجود مصانع جديدة لم تكن موجودة من قبل تتخصص فى إعادة تدوير هذه المخلفات وبناء عليه تم اختراع الآلات المتطورة شيئاً فشيئا والقضاء على نسبة من البطالة.. فانظروا كيف يمكن لبحث علمى أن يحل مشكلات عديدة تعانى منها البشرية فى هذه الأيام.. ونتيجة لنجاح المشروع تسابقت الحكومة كعادتها لتقليدنا وجربت أن تؤسس ذلك المشروع لكنها فوجئت بابتعاد المزارعين عنها لعدم ثقتهم فيها..

وذكر الدكتور مصطفى مثلاً آخر فقال.. أيضا أحد العلماء المصريين الشباب المتخصصين فى تربية الأسماك والذى تلقى هذا العلم فى الدولة التى تقدر العلم «الصين» وكالمعتاد لم يجد الشاب المسكين أى باب يلجأ إليه إلا ويجده مغلقا فقابلته واستمعت إليه بتركيز وأتحت له الفرصة ليعرض الفكرة على باقى أعضاء الجمعية وكما توقعت لها لاقت القبول والترحيب من الجميع فاتفق مع المنتمين لمشاريع الجمعية من أبنائها المنتفعين من القرض الحسن لحفر آبار فى مناطق الواحات للزراعه وأن يقوموا بزراعة الأسماك فى البحيرات الصغيرة المتسربة من الآبار وهو مشروع يشعر الملايين من البشر فى العالم أن الخير باق فى أمة محمد.. وكانوا أصحاب تلك الأراضى كلما يأتى يوم تجميع السمك يقومون ببيعه بأسعار رمزية..

وأحيانا بلا مقابل للأسر الفقيرة.. وهنا نجد أن تلك الأبحاث العلمية البسيطة استطاعت أن تجنى ثروات طائلة بذلك المجهود البسيط وتلك التكاليف الرمزية فما بالكم إذا تبنتها الدولة وعاملتها معاملة المشروعات القومية لأن ازدهار الثروة السمكية والقضاء على السحابة السوداء.. مشاريع أمن قومى من الدرجة الأولى.

يقول عالمنا الأثير الدكتور مصطفى محمود مهما تكلمت عن الجمعية الخيرية وفريق العمل الذى رافقنى فى بنائها فلن أكتفى أبدا ولكن فى عام ٢٠٠٠ تعرفت على مجموعة أشخاص أصحاب مطاعم ينفقون من أرباحها على تربية وتنشئة فتيات أيتام.. هؤلاء الناس وجدتهم مثلنا يهدفون إلى هدف سام.. رائع.. فقط تقابلهم مشكلة التمويل.. والتمويل كما تعلمنا من أسطورة الرجل الطيب- الذى ذكرت فى الحلقة السابقة- يكون بالعمل وليس بالدعم المادى فقط فاتفقت على شراء الوجبات الساخنة منهم كل يوم.. فى ذلك الوقت كان على مكتبى مشروع إطعام المساكين وهو عبارة عن إطعام الأسر الأكثر فقرا، مثلا (أسر اليتامى، أسر المنكوبين).. وهكذا دمجت المشروعين معا وضربت عصفورين بحجر واحد فنساعد على استمرار تربية الفتيات الأيتام إضافة إلى المساعدة على إطعام المحتاجين..

تخيل أنك إذا كنت من الفئة المعدومة المقهوره والتى تكون أرضا خصبه لآفات وأمراض هذا الزمن.. سواء كانت الإرهاب أو البلطجة أو الدعارة.. ووجدت تعليماً وتنشئة دينية وعلمية ومهنية ووجدت طعاماً ووجدت من يعلمك حرفة أو يساعدك فالمؤكد أنك ستبتعد عن أسباب الانحراف أو التطرف وهكذا..

ومنذ تلك اللحظة نمت إلى ذهنى وتفكيرى عملية كيف أستطيع مساعدة ومعاونة المساجين فهم بالفعل مذنبون ولكنهم إذا وجدوا الأيادى تمتد لهم فسيتصالحون مع أنفسهم ويتحولون إلى صالحين نافعين لمجتمعاتهم فأنا أؤمن أن الغالبية العظمى منهم مرضى نفسيون ومن العدل أن بعض حصص الطعام التى كانت توزع على الفقراء يتم إرسال جزء منها إلى قطاع السجون للمساجين وبالفعل بدأت فى اتخاذ الخطوات اللازمة لتطبيق تلك الفكرة ولكنى تأكدت من أن السجون لها ميزانية كبيرة والمساجين يحصلون على غذاء كامل..

ففكرت فى الموضوع بجدية أكثر بعد أن اتصل بى أكثر من قسم شرطة يريدون جزءاً من حصص الطعام خصوصا أننى وصلت إلىّ معلومات تفيد بأن المحتجزين فى التخشيبة أو الأقسام بعد تعرضهم للتشريفة المناسبة والتى تكون فى الغالب من السجانين القدامى أو أثناء معارضتهم لأوامر أمناء الشرطة والعساكر يفقدون دماء كثيرة ولا يحصلون على وجبات طعام وأن معظم أسرهم تكون فقيرة ومعدمة وتكتفى بأنها فقدت من يتكفل بمصاريفهم داخل التخشيبة ولا يستطيعون إطعامه وهم يحتاجون إلى من يطعمهم وهنا أخيرا وجدت طريقة أساعد بها هؤلاء فوجهت أغلب هذه الحصص إلى بعض أقسام الشرطة وأمن الدولة حيث المعتقلون السياسيون بعد أن وافق المسؤولون على هذا المشروع الخيرى الذى صاحب بعد ذلك تدعيم فقراء المساجين بالبطاطين ودعم أسرهم ماديا ومعنويا..وفى النهاية موضوع الجمعية ليس ملحمة أسطورية.. هى فقط قصة تقديم يد العون إلى المحتاجين بطريقة عملية..

وبعيدا.. عن الدعائية.. الأرقام عندنا ظاهرة. الميدان- ميدان مصطفى محمود- يعج بمن يلجأون إلى الصرح الذى إذا استطعنا بناءه فهو بحمد الله وتوفيقه.. كانت جمعية محمود الخيرية تصل- وما زالت رغم أنها ليست تحت إدارتنا الآن- إلى كل فقير وحققت الشعبية داخل أرجاء مصر وخارجها لأنها استهدفت الإنسانية ولم تفرق بين ديانات الفقراء ولكن الجميع كانوا بشراً.

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود --الحلقة (١٧): حكايتى مع الأعمال الخيرية

■ العطاء فى هذه الأيام أصبح جنوناً

■ أفعال الخير والعطاء لوجه الله أصبحت مصيبة تطارد مرتكبيها.

■ أصبحنا نلعن العطاء بين الشرفاء مقابل نظرة رضا من السياسيين والأثرياء.

■ بالفعل لا أحد يستطيع أن ينكر أننا فى زمن التكنولوجيا الصماء أصبحنا أغبياء.

■ نحن نأكل الجوع ونشرب الظمأ وندخر الحقد ونحصد الندم ونموت جهلاً كما ولدنا. نحن لا نعرف من أين وإلى أين لا نعرف كيف ولماذا كنا وكيف أصبحنا أليس هذا هو الجنون؟

مصطفى محمود

أزمة كل الحركات الاجتماعية كجماعات والمثقفين المصريين والعرب كأشخاص، أن نضالهم كله يتركز فى شعارات.. عناوين.. البارز فيهم من يحول هذه الشعارات إلى كلمات وكتابات تولد على صفحات الصحف وتموت عليها.. قليلا أو نادرا من يكثف مجهوده ليحوله لعمل واقعى.. من الممكن أن نجد رجل أعمال كرّس وقته ومجهوده هو ومن حوله لصالح البيزنس الخاص به، أو فنانا استطاع توجيه أدائه هو وفرقته ومن يعملون معه لإخراج تحف فنية يحفر بها اسمه على حائط الفن.. لكننا لم نجد أبدا – فى حياتنا على الأقل – من يوجه جهوده من أجلهم.. من أجل فقراء هذا الوطن.. فقراء هذه الأرض.. من أجل اليتامى.. من أجل الفلاحين.. من أجل الغلابة.. لم نر من يفكر فى محاربة الإرهاب بالتعليم.. ويحارب البلطجة بإطعام الفقير وتربيته.. نعم لم نر.. إلا العالم الكبير مصطفى محمود.. وفى هذا الصدد نجده يقول:

منذ النشأة كانت لى أحلامى بخصوص من حولى، عندما نشأت لم أكن من الأثرياء، ولم أكن من الفقراء، كنت من المستورين (الطبقة المتوسطة التى اختفت حاليا).. ولكننى كنت دائم الانشغال بالفقراء.. اقتنعت بأن الفقر والجهل والظروف السيئة هى سبب تأخر أمتنا، بل هى منبع الإرهاب، فإذا أردنا أن نصعد بمعدل نمو دولتنا مثل الدول المحترمة، وإذا أردنا أن نقطع جذور الإرهاب فعلينا بمحاربة أسبابه.. وهذا لن يكون فقط بالتنظير أو بتأليف الكتب أو بالصراخ على المنابر السياسية.. العلاج يكون بأن يبدأ كل واحد بنفسه.. بيده.. لا أقصد هنا ألا ينتظر النظام «بواقى وفضلات» الدول الأخرى المسماة الإعانات لأنك ستكون «بتنادى فى جدار أصم»، بل أقصد ألا تنتظر شيئا أساسا من النظام.. عايز تعمل خير لبلدك وأهلك وأهلها.. الخير بيتنفذ- بقول يتنفذ- مش بيقف عند مجرد النية.. فالحل يكمن فينا وبداخلنا.

أما عن بداية الخطوات العملية عند الدكتور مصطفى محمود فقال:هل تتذكرون الحلم القديم الذى يسرده الناس الطيبون عن أسطورة الرجل الطيب الذى نشأ فى الريف وكان رجلا قويا صاحب عزيمة وطموح ودائما قلبه يرق لضعفاء قريته، فأقام مشروعا وشغل فيه فقراء القرية وكان يحجز جزءاً من أرباح هذا المشروع لينفق على أولاد عماله الفقراء.. ويوفر لهم علاجا وتعليما وملابس.. إذن بعد أن اهتم بتوفير مصدر للرزق يهتم بالتعليم والرعايه الصحية، وهو ما رفع من مستوى هؤلاء الفقراء وزادت احتياجاتهم فأصبحوا يشترون منتجات مصانع الرجل الطيب فراجت سلعته أكثر فدخل القرية المجاورة وأقام فيها فروعا أخرى معتمدا على فقرائها ورافعا إياهم من محنتهم..

وظل هكذا حتى قضى تقريبا على البطالة والفقر فى بلده.. لأنه لم يكن يفكر بالأساس فى جنى الأرباح فقط، بل كان يفكر فى فقراء بلدته، فيكون نتيجة عمله الصادق أن تتسع تجارته وتتعاظم أرباحه، فيقسم هذا الربح بينه وبين الفقراء فى مكان آخر، وهو ما يضاعف من أرباحه مائة مرة.. هذه الأسطورة المتداولة بين البسطاء كثيرا ما شغلتنى منذ الصغر، وكنت أفكر فيها باستمرار وأنقضها أحيانا، ولكننى وجدت نفسى أؤيدها بكل ما أوتيت من قوة.. حتى جاء منتصف السبعينيات.. وفكرت آلاف المرات فى كيفية تحقيق هذه الأسطورة بالفعل.. لكن الحقيقة أننى فكرت بالعقل.. التفكير بالعقل مش بالعواطف لو أردنا أن نحقق شيئا، وصممنا عليه سيتحقق..

هكذا كان حلمى أن أؤسس شيئا عمليا أستطيع من خلاله أن أمد يد العون.. أن أساهم فى حل مشاكل المحتاجين من المحيطين بى.. فى عام ١٩٧٦ بالفعل بدأت تنفيذ الحلم وحصلت من وزارة الأوقاف على ترخيص ببناء مسجد، وحصلت على دعم العديد من الأشخاص والجهات لإتمام بناء المسجد، وبدأت التفكير فى إنشاء مركز خدمى وعلاجى للبسطاء، فكرت أولا فى إنشائه فى أرياف الجيزة، ولكن بعد إقامة المسجد فكرت فى إنشاء المجمع بجوار المسجد..

فى البداية فكرت فى دور الكنيسة الخدمى الذى تقوم به لرعاية شعبها، وقلت فى نفسى لماذا لا يكون دور المسجد له نفس الخصائص، ويعطى لرواده من الفقراء والمحتاجين نفس المزايا.. بالفعل كان الحلم يراودنى، ومعى أخى الكبير مختار، وكان يساندنى معنويا ثلاثة أصدقاء آخرين استطعت أن أجندهم، واقتنعوا بما اقتنعت به من العمل لخدمة الإنسانية المشردة فى الشوارع والحوارى والأزقة.. وعندما وضعنا كل ما نمتلك معاً أكملوا ٥٠٠ جنيه وهو المبلغ الذى لا يسمن ولا يغنى.. ولكنى كنت أعمل عملا لله..

وعندما أعاننى الله قمت بزيادة رأس المال المؤسس إلى ستة آلاف وكان مبلغا كبيرا فى ذلك الوقت.. وهو ما ساعدنى على إنشاء المستشفى بالفعل.. بدأته بعيادة للباطنة، ثم عيادة للرمد ومعمل تحاليل، وهكذا كانت نواة المستشفى عدة عيادات صغيرة، حجم كل عيادة غرفة واحدة.. هل تعلم كم تبلغ القيمة الاسمية لهذه الأصول الآن.. أكثر من ١٥٠ مليون جنيه كلها لله، لا يوجد منها مليم واحد فى حساب خاص..

وفى منتصف الثمانينيات تقريبا كان الصديق الدكتور أحمد عادل نور الدين، وهو الآن من كبار إخصائيى التجميل فى الشرق الأوسط، أنهى رسالته وأصبح مستعدا للعمل الرسمى معنا، فأقمنا معا عيادة لجراحات التجميل للبسطاء، ولكم أن تتخيلوا مدى النجاح الذى حققه ذلك الفرع، وقد وجد الفقراء ما كانوا يتصورونه حكرا على الأغنياء متاحا لهم.. فكم فقيراً يعوقه تشوه ما بينه وبين الحياة الطبيعية، وهذا كان دورنا.. هنا أريد أن أتكلم عن هذه الفترة.. هل هناك ما يميزها؟

نعم هذه كانت أيام البرنامج.. فكنت أتبع نفس أسلوب الأداء والإدارة فى الاثنين.. وكنت أتبع نفس الأسلوب الذى اتبعته فى عملى سواء فى البرنامج أو أى مجال آخر.. كنت وأنا أدور حول العالم فى سفرياتى المتتالية، أبحث عن أحدث الأجهزة وأشتريها وأحضرها معى إلى المستشفى، فمثلا أحضرنا جهاز الأشعة المقطعية عندنا قبل أن يسمع به أحد، وأجهزة الرنين المغناطيسى، وكذلك أجهزة رسم المخ والعضلات، رغم أن الكشف كان ومازال بأرخص الأسعار، وذلك لأن الربح لم يكن الهدف من وراء هذا المشروع بل كان هناك هدف سام- الكشف ظل إلى فترة كبيرة قيمته جنيه واحد والآن بعد أن زادت قيمته لا يتجاوز أعلى كشف ٥ جنيهات.

كانت المشكله التى كثيرا ما تواجهنى هى الأطباء أنفسهم.. كيف أسهل لهم العقبات وهم يحصلون على ربع قيمة الكشف فقط إضافة إلى طموح الغالبية منهم فى تحقيق أهداف شخصية.. وكان هذا دورى.. المشروع فى نشأته يتلخص فى أنه سعى منا إلى تغيير الأوضاع بأى قدر.. أن نمد يد العون للآخر.. فكنت أصطدم بطموح طبيب من الموجودين.. وكان لابد من عدم تقييده بل دفعه لتنفيذ أجندته الخاصة.. لا أخيره بين طموحه الخاص وأهداف المشروع، بل كنت أحتويه وأدعمه فيسير فى أهدافه الخاصة ويعطينى أنا والمشروع كل ما نحتاجه من طاقته وزيادة..

فإذا طلب منى أحد الأطباء جهازاً ظهر حديثا، أحضره معى من أول رحلة لى فى الخارج، وكنت أساعد من يريد أن يكمل رسالة دكتوراه خاصة به.. فأصبح الأطباء يكبرون، مع اتساع شهرة وأعمال المؤسسة، وكنت أناقش كل طبيب على حدة، بالمرور عليه فى مكان عمله أو أطلبه عندى فى الاستراحة حتى نتكلم، وهو ما ساعد معظمهم على أن يصبحوا من كبار الأساتذة ويترقوا.. وها هم جميعا يشغلون مناصب.. مثل عمداء الكليات المختلفة وفى وزارة الصحة خصوصا بعد أن دعمناهم بحضور المؤتمرات العلمية فى الخارج.. إضافة إلى توفير أحدث الأجهزة فى العالم لهم.

وفى هذا السياق يقول الدكتور مصطفى وهو يبتسم لكوميديا الموقف: كانت هناك فجوة زمنية لصالحنا بيننا وبين مستشفيات الدولة فى تقدم الأجهزة والمعامل والنظام المتبع فيما يقارب الخمسين عاما، وكنا أحدث من المستشفيات الخاصة أيضا.. ومع ذلك كنا نعمل بلا ربح أو أهداف شخصية، وهذا كان يدفع أصحاب تلك المستشفيات، التى كان يطلق عليها لقب المستشفيات الاستثمارية، إلى الاتصال بى ويقولون لى «حرام عليك يا دكتور بيتنا هيتخرب» وكنت أضحك من موقفهم، الذى يعد بجاحة لاستغلال الناس ومحاولة لإقناعى بأن أجعل العلاج بأجر يساوى أجورهم الاستثمارية.. لقد أصبح المجمع يستقبل الآن أكثر من ٤٥٠٠ مريض كل يوم، ونجرى أكثر من ستين عملية يوميا- ولا قصر العينى- خصوصا بعد أن توسعنا وأقمنا فروعا فى أماكن أخرى.

لكن.. هل مؤسسة مصطفى محمود، التى أطلق عليها الدكتور جمعية ومسجد محمود الخيرية، يتوقف جهودها عند الخدمات الطبية.. الحقيقة أن هذه هى معلوماتنا عن الجمعية، لكننا فوجئنا بعالمنا الأكبر يشير لأدوار أخرى لمؤسسته، التى اتسع نشاطها ويتسع باستمرار فى مجالات مختلفة.. فمن توفير الملابس لعشرات الآلاف من الأسر المصرية، إلى توفير مصدر رزق دائم وثابت لمعدومى الدخل.. بل وتوفير طعام للمنكوبين..

وعندما أبدينا ذهولنا قال: الجمعية الآن لها دور اجتماعى كبير.. لكن ذهولكم هذا لأننا لا نروج لهذا الخير الذى سببه الله لنا ولكل من ينتفع من المؤسسة بأسلوب دعائى.. ربنا مبارك لأهل الخير والعملية ماشيه.. لكن ليس معنى ذلك أن نشاط الجمعية مجهولة لأن نتائج «جمعية محمود» موجودة فى كل الأقاليم، خصوصا المناطق التى لا تصل إليها يد الحكومة، مثل الصعيد وسينا والواحات.. ولجنة النشاط والخدمات الاجتماعية بدأت دورها فى بداية التسعينيات.. وأول وأبرز هذه الأنشطة قبل التسعينيات بعشرين عاما كان «مائدة الرحمن» المشهورة والتى تقيمها الجمعية فى رمضان.. فى هذه الأيام كانت مائدة الرحمن الشهيرة الأخرى فى السيدة زينب، فكان مشهد مائدة الرحمن فى المهندسين مشهداً رهيباً- مشهد عجبة- ولكن فى أول التسعينيات بدأت ما يسمى رحلتى الشتاء والصيف، وهما أمران مهمان جدا فى حياتى.

ولكن قبل الحديث عن رحلات الشتاء والصيف، قال الدكتور مصطفى محمود: عقلية النظام المصرى لا تؤمن أبدا بأن هناك من يمكنه أن يتصدى للفقر والإرهاب دون مقابل، فشكوا أن الجمعية والمسجد وما يلحق بهما من فروع تم تأسيسها بغرض تنشئة أجيال بأفكار أمنية أو أفكار دينية شاذة بتمويل ما.. وبالفعل وضعت المؤسسة بالكامل تحت المراقبة لأعوام.. وعشت ومن حولى تحت الرقابة الأمنية، حتى تأكد النظام من أن هدفى هو المعلن، وهو المساهمة فى رفع المعاناة عن أبناء وطنى.. والحمد لله رفعتها بالفعل، لأنى أؤمن بأن العمل والابتكار ليس بالصياح والشعارات والتوقف عند حد الكتابات..

وفى الاتحاد السوفيتى حاولت بعض الجهات هناك فى السبعينيات تمويل برنامج لتنشئة جيل من المقاتلين.. من طراز خاص.. على المستوى الأمنى أو الفكرى، لكن التجربة زرعت فى هذه المجموعة أفكارا شاذة لدرجة أن الجيل انهار أو تطرف.. ولأن النظام عندنا عبقرى فى كل شىء إلا الصواب، فقد خرجت تقارير تفيد بأننى أربى اليتامى عندى فى الجمعية.. وسألت التقارير: بربيهم ليه؟ هايكسب ايه من وراهم..

أكيد الموضوع فيه «إنّه».. العقلية الأمنية المستهترة فى كل صواب، ركزت بس معايا وركبت أجهزة تنصت على تليفونات الجمعية، وزرعوا عيونا وعشنا شهورا وسنوات طويلة فى ارتباك.. ولكننا لم نتذمّر إحنا مابنعملشى حاجه عشانهم ولا منتظرين أجر عليها يبقى ربنا هايحمى حاجته دى.. وزاد الطين بلة أنه فى بعض الأحيان كان يخطب فى المسجد بعض الشيوخ المغضوب عليهم، مثل الشيخ كشك.. مما دفع الجهات إياها لأن تظن فينا الظن إياه.. لكننى كنت مصرَّاً على تقديم حياتى للبسطاء والفقراء.

هل اكتفيت؟ سؤال ألقى بنفسه داخلى.. مشغول أنا فى برنامج «العلم والإيمان».. النجاح الهائل الذى وصلت إليه ألقى بداخلى مسؤولية مهمة حول إعداده والخروج به إلى الشعب العربى بصورة ملائمة كما ينتظرونه.. لكن هذا السؤال الملح حول ما إذا كان ما أقمناه بعون الخالق يكفى.. وصل عدد من تستقبلهم الجمعية إلى ٥ آلاف مريض يوميا، لكن هل اكتفيت.. أشعر أحيانا بأن هناك أصوات تنادى علىَّ من أماكن لا أعرفها: لا يوجد أفقر من فقراء الأماكن المقفرة فى مصر.. لا يوجد أكثر احتياجا منهم.. سيناء.. والواحات.. والصعيد.. وريف مصر.. فى الأصل كدت أنشئ الجمعية فى أرياف الجيزة حتى تتوجه بخدماتها إلى المحتاج الحقيقى، لكن الظروف جعلت من منزلى مقراً للجمعية فى ميدان مصطفى محمود.. لذلك كان هو الوقت اللازم للخروج برحلات الشتاء والصيف.

خرجت أنا وأطباء المجمع بهدف الوصول بخدماتنا إلى القاهرة ومعظم المحافظات المحيطة بها، ولفت انتباهى أن المحافظات البعيدة، مثل الصعيد ومطروح وسيناء، لا تصلها خدماتنا، على الرغم من تفاقم الأوضاع بكثير فى هذه المحافظات بالذات، فقررنا أن نخرج بقوافل إلى هذه المناطق، وبالفعل كنا نذهب بقافلة فى الصيف وأخرى فى الشتاء، كل قافلة منهما تتوجه إلى مكان ما، وعلى رأس هذه الأماكن «السلوم وسوهاج وقنا ومطروح والخارجة وأسوان».. وكنا نستغل فترة هذه القافلة ونهتم بأهل هذه المناطق فى أكثر من مجال وأكثر من نشاط، فكرى أو دينى، ووصل عدد هذه القوافل إلى ١٣ قافلة.

أما كيف غارت الحكومة من مشروعات الدكتور مصطفى؟ وكيف حاولت منافسته؟ وكيف خسرت بسبب التفاف الناس حوله؟ وما هى علاقة الدكتور مصطفى بالمعتقلين السياسيين فى سجون مصر؟ فهو موضوع الحلقة المقبلة.

العالم المصرى الأمريكى أحمد زويل على شاشة قناة دريم

عندما يتحدث العالم المصرى الأمريكى أحمد زويل على شاشة قناة دريم، فإن التوقعات بهوية المُحاور لا تخرج عن اثنين، إما المذيعة منى الشاذلى التى استضافته فى برنامجها «العاشرة مساءً» مرتين من قبل، أو الصحفى أحمد المسلمانى مقدم برنامج «الطبعة الأولى» الذى سبق له أيضاً استضافة زويل فى برنامجه،

إلا أن حلقة أمس الأول على قناة دريم خالفت التوقعات بعض الشىء حين فوجئ المشاهدون بالإعلامى محمود سعد يقدمها مع منى الشاذلى. وعلى مدار ثلاث ساعات وأربعين دقيقة، قدم الاثنان حلقة من امتع ما يكون مع هذا العالم، حتى لتظن أنه الظهور الأول له على الشاشة، متنقلاً فى الحديث بين قصة اختياره ضمن المجلس الاستشارى العلمى للرئيس الأمريكى «أوباما»، وأسباب رحلته فى المنطقة التى بدأت منذ عدة أسابيع كأول مبعوث علمى أمريكى للشرق الأوسط،

مؤكداً الفارق بين مشروعه العلمى لمصر الذى دعا له منذ نحو ١٢ عاماً وبين ما تطرحه الإدارة الأمريكية، متحدثاً عن عام ٢٠٠٩ الذى يراه من أكثر الأعوام العلمية إثارة فى حياته بعد توصله للميكروسكوب رباعى الأبعاد، مؤكداً أن السير فى الزمن ممكن رغم ما يواجه ذلك من صعوبات، عارضاً تخوفه على مستقبل العالم العربى فى السنوات الخمسين المقبلة، مشدداً على أنه دون نهضة مصرية تقود هذا العالم، فلن تتحقق قوته العلمية فى المستقبل.

■ هل تحصل على أجر كبير من عملك مستشاراً علمياً للرئيس الأمريكى؟

- إطلاقاً، وهذه فرصة لشرح حقيقة الأمر، فأنا لا أحصل على أجر عن تلك المهمة وعندما أذهب للبيت الأبيض لابد أن أدفع قيمة غذائى، فالرئيس الأمريكى لا يملك أن يدعونى للغداء، أدفع ١٠٠ دولار حتى لا يحدث أى خلط بين مهمتى ووجودى هناك. والرئيس أوباما لا يستطيع أن يدفع لأحد.

■ هل هناك علاقة بين مشروعك الخاص ببناء قاعدة علمية فى مصر ومهمتك كمبعوث علمى أمريكى للشرق الأوسط؟

- لدينا مشروع قومى فى مصر وأنا حريص على تكوين قاعدة علمية تكنولوجية على المستوى العالمى، وهذا لم يبدأ اليوم ولكننى بدأته مع الدكتور الجنزورى قبل حصولى على جائزة نوبل، ولكن حدثت مشاكل بيروقراطية أعاقت إكماله. وبعد حصولى على نوبل اتصل بى الرئيس مبارك وهنأنى فطلبت منه لقاءه للحديث عن البحث العلمى فى مصر، وهو ما حدث، وتعاملت فى المشروع مع الدكتور عاطف عبيد، ولكن حتى عام ٢٠٠٧ لم يحدث أى شىء جاد، واتصل بى دكتور هانى هلال، وزير التعليم العالى، لتجديد الأمر وقلت له إننى على استعداد لأن أكون عضواً فى المجلس الأعلى للعلوم بشرط أن نبدأ،

فمنذ عام ٢٠٠٧ وحتى يومنا هذا لم يحدث تقدم ولكننى مُصر على تنفيذ الحلم. أما قصة لختيارى ضمن مجلس المستشارين العلميين للرئيس الأمريكى فقد بدأت فى أبريل الماضى حين اتصل بى البيت الأبيض لإبلاغى أن الرئيس الأمريكى يبحث عن شخصيات علمية للعمل معه كمستشارين من خارج الحكومة لمنحه أفكاراً جديدة، على سبيل المثال معى فى هذا المجلس رئيس شركة جوجل، وشخصيات فى الدفاع القومى، وآخرون فى علوم الفضاء.

■ قالوا عنك فى التعريف الذى جاء فى خطاب اختيارك لشغل هذا المنصب: «هو مصرى أمريكى واسع الاحترام ليس فقط لعلمه ولكن لأنه صوت العقل والمنطق».

- هم يبحثون عن شخصيات تساعد الفكر الجديد، وأنا مهتم على مدار السنوات العشرين الماضية ليس بالعلم فقط ولكن بالبشرية كلها، خصوصاً فى مصر وهم يعرفون ذلك وقلته للرئيس الأمريكى أوباما فى لقاءات ناقشنا فيها قضايا عالمية خاصة بأمريكا لكن ذات تأثير على العالم كله. وعندما جاء الرئيس أوباما وألقى خطابه فى جامعة القاهرة سعدت لأنه تكلم عن هذه الرؤية وعما قدمه المسلمون للعلم والتكنولوجيا فى أمريكا، وأوضح أنه يريد أن يرسل مبعوثين للشرق الأوسط والعالم الإسلامى لبحث نشر العلم،

وبعد عودته اجتمع بالمختصين وطلبوا منى أن أساعد فى منطقة الشرق الأوسط، ولو لم تكن هناك قاعدة علمية من الأساس فلا يمكن تحقيق شىء. أمريكا تستطيع أن تساعد فى الناحية العلمية عبر إرسال خبراء وأجهزة تكنولوجية متطورة واستقبال بعثات. وأقولها إننا لن نستطيع تكوين علم على أساس راقٍ إلا من خلال علاقة مع تلك الدول لكن يجب التركيز على المشروع القومى العلمى المصرى.. وكونى مستشاراً للرئيس الأمريكى فهذا لا علاقة له بهذه الجزئية.

■ قلت إن المشروع لن تقدمه أمريكا إلا للدول التى تمتلك قاعدة علمية؟

- نعم لابد أن يكون هناك استعداد فى البلد لبناء قاعدة علمية من أجل مستقبل أولادنا، أستطيع أن أذكر بلاداً عديدة يقوم كل اقتصادها على التكنولوجيا المتقدمة، على سبيل المثال كنت فى تركيا وحتى بداية القرن العشرين كانت دولة زراعية، والآن هم يفخرون بتراجع العامل الزراعى وتقدم العامل الصناعى.

■ التقيت رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان.. ما الذى جرى فى اللقاء؟

- هناك شخصيات فى حياتى تشكل نقاطاً فعالة أعتقد أننى سأكتب عنها فى يوم من الأيام، لأنها تمتلك الرؤية والبصيرة لبلادها، ورجب أردوغان واحد من هؤلاء.. استمر لقائى به على مدى ساعة ونصف، وهو رجل واسع الأفق ولديه خلفية رائعة، فقد درس فى الدين والقانون وعمل عمدة لإستانبول، وأول شىء فعله بعد توليه منصب رئيس الوزراء هو النظر فى ما ينفق على التعليم والبحث العلمى فى تركيا، ورأى أنه ضئيل للغاية وقرر مضاعفة الإنفاق على هذا المجال ١٠ مرات ليصل إلى ١% من ميزانية تركيا.. يريد أن يصل به مع نهاية ولايته إلى ٢% مثل أمريكا وأوروبا.

الأتراك بنوا مدينة للمعرفة، اشترك فيها القطاع الخاص وهى الفكرة التى كنت طرحتها فى مصر منذ سنوات، أخذوا مدينة خارج أنقرة وأنشأوا مؤسسة علمية، وقام رجل أعمال تركى بوضع ثروته كلها فى تلك المؤسسة بشرط ألا يكون للحكومة أى دخل فيها، وبدأت الحكومة التركية فى ذات الوقت إنشاء مؤسسات علمية يُعفى المواطن المشارك فيها من سداد الضرائب. وقد نجح مجلس الأمناء فى الوصول برأسمالها إلى ٢ مليار دولار لأنه كانت لديهم صناعات وأعمال فى المقاولات والتشييد.. وهم الآن يتولون بناء مطار الدوحة الدولى فى قطر..

بمعنى أنهم قرروا إعفاءً ضريبياً لبناء القاعدة العلمية فى تركيا وقد التقيت هناك شباباً رائعاً من أعضاء هيئة التدريس، وشاهدت ما قدموه من أبحاث علمية.. خلال ١٠ سنوات صارت تركيا على الخريطة العلمية.

■ كيف تتكلم بهذا الهدوء، فيما يشعر الكثيرون بالحنق على أننا لم نحقق ما بدأته تركيا؟

- أنا متفائل وقلت هذا فى أغسطس الماضى بمكتبة الإسكندرية، فمن خلال دراستى للتاريخ ومن رؤيتى الخاصة وما اكتسبته فى حياتى، أقول إن أهم عامل لنهضة الأمم هو الطاقة البشرية، ومصر غنية بالكنوز، وأرفض ما يقال إن علماءنا لا ينجحون إلا فى الخارج.

■ إذاً البشر ليسوا عبئاً على الدولة كما يقول البعض؟

- لا لكننا لا نعرف كيف نستغلهم. كثيراً ما أسمع ما يتردد عن المثقفين وتراجع دورهم فى مصر ولكن هناك صحوة أدبية وصورة رائعة مثل فاروق جويدة فى الشعر، وعلاء الأسوانى وبهاء طاهر والغيطانى فى الرواية، وأنا أتردد على المكتبات وأزورها مثل مكتبتى الشروق ومدبولى، ووجدت إنتاجاً رائعاً، وفى نفس الوقت ذهبت لمكتبة لن أذكر اسمها ومكثت فيها ساعة لأرى المستوى الثقافى وأعرف ماذا يكتب بقية الناس فوجدت عناوين لكتب غريبة كتبتها،

منها: «مبروك لولو حامل» و«اعمل عبيط» و«الإنسان أصله جوافة». عندما يقرأ الفرد مثل هذه العناوين فلابد أن يشعر أن هناك خطأ ما. مصر فيها كنوز علمية مثل دكتور محمد غنيم ودكتور أحمد عكاشة، حتى الخارجية التى يوجه لها البعض انتقادات فى مستوى أدائها، لكننى أقابل فى أسفارى الكثير من الدبلوماسيين المصريين الرائعين. مصر عظيمة بناسها وأرفض ما يقال عن أننا فى حالة ضياع.. نحن فقط بحاجة لنظام ورؤية.

■ حصلت على نوبل فى الكيمياء الفيزيائية. وأذكر أننا أخذنا فى دروس العلوم فى الثانوى مصطلح «أنتروبى» وكانوا يقولون لنا إنها تعنى ببساطة أن المادة عندما تكون عشوائية المصدر تنتج عنها طاقة ولكن لا يمكن استخدامها. لو طبقنا هذا مع ما يشهده المجتمع الآن بعد الفوز بكأس الأمم الأفريقية فهل نستطيع القول إنها فرحة عشوائية لا يمكن استغلالها؟

- هناك قانون فى الطبيعة يعتبره علماء الفيزياء من أهم القوانين، وهو القانون الثانى، وقبل تعريفه أتحدث عن القانون الأول الذى ينص على أنه عند تحويل طاقة من مادة لمادة فإن الناتج يجب أن يكون متساوياً. بمعنى إذا كان لديك ١٠ جنيهات فلن تستطيع الشراء إلا بهذا المبلغ. أما القانون الثانى وهو من أعظم القوانين التى تحكم الطبيعة، فيرى أن كل شىء له منظومة ومنظم ينتهى إلى فوضى. نكون صغارا ونكبر ونشيخ ثم نموت، ومكعب الثلج ينتهى بالذوبان إذا تركناه.

وقانون الإنتروبى يقول إنه لو لم يتم إيجاد قوة خارجية لأى قوة أخرى ستحدث الفوضى. اللمبة تمنحنا ضوءاً لكن فى حالة فوضى، على عكس الليزر الذى تمت السيطرة عليه، ولذا لا يستطيع الانحراف لأنه يخضع لقانون فينتج قوة خارقة. وعندما قال الشاعر فاروق جويدة إننا بحاجة لحكم عسكرى، ثار البعض ضده، ولكنه كان يعنى وجود كيان حازم لمنع الفوضى. ولذا فالدولة القوية يجب أن يكون بها قانون ودستور ويتم الالتزام بهما. ومن أجمل الأمور التى يمنحها لنا العلم بجانب الاكتشافات أنه يمنحك القدرة على التفكير فى المنظومة الكونية.

ولتحقيق الدولة الحديثة فإنك بحاجة لبعض الأمور «دستور واضح - رؤية - تعليم وثقافة». والتعليم من أهم المشاكل التى تواجه مصر والعالم كله، أما الثقافة فتأتى من إعلام جيد ومؤتمن يكون له هدف واضح. وأرى أن الإنسان لكى يكون مثقفا فعليه أن يتسلح بثقافته وجذوره.

■ ترى أن التعليم يصنع المعجزات ويستطيع أن يقلب كيان بلد فى عدد قليل من السنين؟

- هناك نوعان من التعليم: أكاديمى وثقافى، والتعليم الأكاديمى لا يمنحك فقط المعلومات عن التاريخ والحساب ولكن المفترض أنه يمنحك القدرة على التفكير، لأن ما ندرسه لن يعبر عن كل المشكلات التى نواجهها، لكن لو تعلمنا الأسلوب الصحيح فسيساعدنا على حل ما يطرأ علينا. الآن فى الإعلام أى شخص يمكنه الظهور واعلان فتوى فى أى مجال، ولكن العلم يقول لك اجمع المعلومات وادرسها قبل أن تصدر فتواك. وهذا هو الأسلوب العلمى الذى يؤدى فى النهاية إلى نهضة حياتية.

■ تتكلم عن العلم أم الأخلاق؟

- عن كليهما فعندما يسود الأسلوب العلمى تتحدد الاخلاقيات فى المجتمع، فى الخارج لا أحد يعلو صوته ولا يلقى بالقمامة فى الشارع، لماذا ؟ لأنه تعلم ذلك فى المدرسة.

■ أنت تبسط شرح العلوم إلى حد أنك قدمت شرحاً للحبل الجينى على موسيقى أم كلثوم فى إحدى محاضراتك.. كيف تفعل ذلك؟

- تبسيط العلم ضرورة بشرية، سمعت منذ شهر عن اكتشاف سيسبب نقلة علمية لم يشهدها العالم من قبل، ذات علاقة بالحبل الجينى للإنسان الذى يساعد فى إيجاد تبرير لصفات الإنسان وما يقوم به من تصرفات، والكتاب الجينى الخاص بكل منا يوجد به نحو ٣ مليارات حرف تحدد صفات كل منا، وبات العلماء يعرفون على سبيل المثال الجين المسبب لسواد العين، ولكل منا خريطة جينية تعرف باسم «الجينوم»، وهو ما يساعد على علاج الأمراض بمعرفة الجين المسبب للسرطان على سبيل المثال، ومكان وجوده على الحبل الجينى وبالتالى تستطيع علاجه أو حذفه.

وعندما تم الإعلان عن الجينوم فى عهد كلينتون منذ ١٠ سنوات كانت معرفة الفرد لخريطته الجينية تتكلف أكثر من مليار جنيه، الآن تتكلف عدة آلاف من الدولارات عبر عينة من دمه. والعالم «أريك لاندر» أحد أعضاء المجلس الاستشارى للبيت الأبيض يعمل الآن على اكتشاف المناطق الموجودة على الحبل الجينى وكنا نطلق عليها مناطق فارغة لا تأثير لها، ولكن اكتشف أنها مهمة جداً للظواهر الإنسانية مثل قدرتك على التفكير، والضمير من عدمه.

■ هناك صراع قديم بين علمى الوراثة والاجتماع فى قضية الضمير، هل يتحدد الضمير بالجينات أم بالنشأة والبيئة؟

- يتأثر الضمير بالجينات ولكنه يرتبط بالوعى ولا يتحدد وفقا لجين واحد ولكن عبر أكثر من جين، قد يكون هناك شقيقان لديهما نفس الجينات الوراثية ونفس النشأة ولكن أحدهما عدوانى والآخر متسامح، وهنا تأتى أهمية الخريطة الجينية ودراستها التى لن تمنحنا تفسيرات فقط ولكنها ستحدد حتى طريقة التفكير التى تتبعها. وعبر الخريطة الجينية يمكن معرفة نقاط الضعف فى بعض الشعوب أو نقاط القوة لديها.

■ إذاً لا شىء اسمه الصفات المكتسبة كلها جينات موروثة؟

- هذا سؤال مهم ولكن لو ضربنا مثالاً بشقيقين نشأ أحدهما فى الصحراء والآخر فى مدينة، فإنه ورغم الجينات الوراثية لديهما فإن كلاً منهما سيتأثر بالبيئة التى نشأ فيها، حتى التلوث له تأثير على الفرد.

■ هل نستطيع التأثير على الجينات؟

- هناك أبحاث على موضوع التأثير فى الجينات لعلاج الأمراض، مثل ألزهايمر حيث نستطيع تحديد الجين المسبب له من يوم المولد ثم نحقن الجين عبر الخلايا الجذعية أو كيماويات معينة تجبر الجين على عدم النمو.

■ تعاملت مع أطفال فى عمر ٧ سنوات كيف شرحت لهم حديثك؟

- كان هذا بعد حصولى على نوبل شعرت بالقلق لكننى نفذت تجربة ونجحت، أخذت معى كوب ماء ووضعت به مكعب ثلج، وجعلت الساعة تسير وطلبت منهم أن ينظروا للساعة وهى تسير، ويتابعوا مكعب الثلج، بمرور الدقائق تلاشى الثلج وذاب فى الماء، فأخرجت ١٠٠ دولار من جيبى ووضعتها على المكتب وسألتهم من منهم يستطيع العودة بالزمن للوراء لنحصل على مكعب الثلج؟ مانحاً الـ١٠٠ دولار لمن يعرف. بالطبع لم يعرفوا ولكننى نجحت فى جذب انتباههم.

■ أشرت لتعليمك فى الخمسينيات والستينيات وأنه كان أفضل.. هل أنت مع مجانية التعليم؟

- تعلمت فى مصر فى مدرسة حكومية كانت تمنحنا العديد من الخبرات إلى جانب الدراسة، عبر رحلات وممارسة الهوايات، ودعونى أقل إن فطرة عبدالناصر رغم عداء الغرب له جعله يقدم تعليماً جيداً وقومياً ويمنحنا الأمل من خلاله، كان لدينا السد العالى ومفاعل أنشاص. جعلنا نعيش فى مصر البناءة، ورغم أننى سافرت فى نهاية الستينيات إلا أننى كانت لدىّ الفطرة وهى التى جعلت ارتباطى بمصر جينياً،

وأنا استفدت من مصر ليس فقط فى التعليم ولكن فى الأسرة العائلية وأسرة المدينة والأصدقاء والزملاء فى الجامعة ومناقشات الحياة والثقافة فى قطار دمنهور - الإسكندرية، وقتها كان لدينا حلم قومى، لما يكون عندك إرادة لمشروع قومى وشعب مقتنع بك تستطيع أن تبنى أهرامات جديدة. عبدالناصر كأى حاكم له مميزات وعيوب، ولكنه كان وطنياً ونزيهاً وشريفاً وصنع عزة العرب فى تاريخهم الحديث، الشىء الوحيد الذى كنت أتمنى أن يرسيه هو الديمقراطية ليس فى مصر وحدها ولكن فى العالم العربى كله، ولكنه ضيع فرصة بلاتينية لتحقيق هذا الأمر، كان صديق نهرو الذى أسس الدولة الحديثة فى الهند على العلم والديمقراطية.. اليوم الهند ثانى دولة فى العالم فى التنمية والتكنولوجيا.

■ ما هى الدول التى نجحت فى استغلال العلم والتعليم لتحسين ظروفها؟

- الصين تمثل اليوم أكبر معجزة علمية واقتصادية، وقد زرتها مرتين خلال ١٠ سنوات ولا توجد مقارنة بين كليهما، يكفى أن معدل نموها الاقتصادى يتراوح بين ١٠% و١٢% بما يعنى أنها أعلى من أمريكا، اعتمدت فى تحقيق نهضتها على التعليم وباتت تصدر أفضل طلبة الدكتوراه فى العالم، مجموعتى ٥٠% منهم صينيون، وقد اهتمت فى السنوات الأخيرة بالتعليم وأنشأت العديد من المراكز المضيئة للبحث العلمى التى نتلهف فى الولايات المتحدة على من يأتى منها.

■ أيهما يأتى فى البداية إصلاح سياسى وديمقراطية أم ديكتاتورية صاحبة رؤية؟

- هناك ٣ طرق لتحقيق التطور، إما أن تكون لديك ديمقراطية واضحة، الشعب يختار الحاكم الذى قد يكون جيداً أو سيئاً، ولكن الدولة تظل كما هى لأنها دولة مؤسسات، أو ربنا يكرم الأمة بقائد ملهم لا ديكتاتور، لديه رؤية يلهم بها الناس من حوله ويختار أفضل القيادات لتحقيق التنمية مثل تركيا وماليزيا، أو أن تكون أمة محظوظة يأتيها حاكم ملهم يطبق الديمقراطية ويحدد الهدف والرؤية.

■ دعنى أمثل وجهة النظر الحكومية، يقولون إن دكتور زويل يحمل مبادرات براقة لكنه لم يقدم آليات تنفيذها؟

- إذاً هم لم يقرأوا ما قدمت.. لا أريد الدخول فى هذا الموضوع، ولكن فى كتابى «عصر العلم» خصصت الفصل الاخير كله للحديث عن هذا الموضوع. وفى مدينة ٦ أكتوبر حجر أساس للمركز الذى كنت أتمنى إقامته. وأقول إنه لا يمكن إقامة قاعدة علمية بدون تصور أكاديمى محدد وواضح.

وقانون يتم تطبيقه دون بيروقراطية، وبنية أساسية لهذا المشروع العلمى، وكل هذا يمنح الناس الثقة فى مشروع الدولة العلمى من خلال قانون ونظام، لقد سألتهم فى تركيا عن سبب نجاحهم فى صناعة هذا المركز المضىء فأجابونى أن تلك النقطة دفعت عجلة الصناعة،

كما أن ١% فقط من الطلاب الأتراك هم من يذهبون للدراسة بها ويتم انتقاؤهم، أما البقية فتتعلم فى الجامعات الحكومية وهى مميزة هى الأخرى، ويتم عمل دورات فى الصيف لأساتذة الجامعات الحكومية فى المركز العلمى المضىء ليعودوا فى الشتاء ويدرسوا الجديد لطلابهم.

■ العام الماضى دعا الشاعر جمال بخيت لمشروع جامعة العلم ولكن لم يكتمل الموضوع؟

- المصريون يتبرعون ويساهمون ولكن يجب أن يعرفوا أين تذهب أموالهم، مصر ليست فقيرة، والمصريون مستعدون لعمل الكثير لو تم بدقة، ولذا يجب أن يكون هناك قانون يحمى المؤسسة ويحدد أوجه الإنفاق.

■ وأنت ترى العالم العربى عن بعد ما الذى تشعر أنه مقبل عليه؟

- العالم العربى ككل فى وضع صعب، العالم الغربى يضعنا فى سلة واحدة مع الدول الأفريقية. الأمية المعقولة تقدر بنسبة ٣٠% لكن بلداً مثل اليمن الأمية به ٦٠%،

كما أن العالم العربى لا يُذكر على خريطة العالم العلمية، أهم ٥٠ جامعة فى العالم لا يوجد بها جامعة عربية، الوضع السياسى مفكك، لا تجد منتجاً واحداً مستخدماً عالميا يتم تصنيعه فى العالم العربى الذى يبلغ تعداده ٣٠٠ مليون، وتلك هى الطاقة المهدرة. ولا يمكن أن يحدث التغيير فى العالم العربى إلا إذا كانت مصر مركز هذا التغيير لأنها صاحبة الثقل فى هذا العالم ولديها موارد بشرية هائلة.