Powered By Blogger

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 يناير 2010

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود - الحلقة (١٦): قول أخير فى السادات: بطل حقيقى وزعيم شجاع

■ عندما يتعلق الأمر بما يسمى الأمن القومى يجب أن نعطى العيش لخبازه.

■ استطاع السادات- للأسف- تكوين أمن قومى خارجى، وفى سبيل ذلك أهدر مساحة كبيرة من الأمن الداخلى.

■ كان يتمنى أن يشعر بالأمان بعد أربعين سنة مؤامرات.

■ آمن بأن الجيش وطلبة الجامعة أبناؤه.

■ مارس السياسة طالبا وعسكريا وثورجيا ورئيسا ولاعب الجميع على الحبال.

■ لاعب إسرائيل على الحبال وجابها «أكتاف» واستطاع أن يخدعهم.

■ عرف العالم من خلاله مكانة مصر .

مصطفى محمود

مشكلة قابلتنا معه.. يمتلك ملايين الأفكار.. بحار علم.. طوابير ذكريات.. ومع ذلك خجول إلى أبعد الحدود.. خجول فى التحدث عن نفسه خصوصا فى الفترة التى جمعته فيها صداقة بالرئيس السادات والتى قال عنها الجميع إنها العصر الذهبى لمصطفى محمود.. وهما من أكثر الشخصيات التى أثارت الجدل فى مصر الحديثة.. مصطفى محمود بأفكاره العلمية الدينية وشطحاته المعرفية الأدبية، والرئيس السادات بشطحاته السياسية العسكرية.. الدكتور مصطفى محمود يقول كلمة الحق فى وجه الشخص وفى حضوره لا يتوارى خلف جدار أو ستار.. رغم كل ما سببه ذلك له من معاناة لسنوات.. ولكنه يرى أن التاريخ يكتب دون صدق.. الجميع ينسب لنفسه الفضل.. ويقول عن أهواء.. وأهداف خاصة.. الكل يرى نفسه الصانع الحقيقى..

لذلك لم يرغب كثيرا فى التحدث عن السياسة التى عاصرها وأثر فيها.. تكلم عن السياسة عندما كان مستهدفاً.. لكنه لا يرغب فى التحدث عن السياسة بعد أن تبوأ مكانة مرموقة فى المجتمع وجمع ألقاباً عدة مثل: رجل العلم والإيمان وفيلسوف الشرق.. لم يرد أن يذكر مثلا فى الحديث أن رؤساء الدول العربية ناشدوه أن يقطن عندهم ويعلم أبناءهم وشعوبهم.. بل يعلم علماءهم!! لم يرد أن يذكر الكم الهائل من الإغراءات التى لاحقته بأن تقام له برامج ودور نشر ويحصل على ملايين من العملات المختلفة، وذلك منذ أكثر من ثلاثين عاما.

.. وأراد أن ينهى الكلام عن السادات وعلاقتهما الشهيرة فقال: لا تأخذوا عنى رأيى فيه لأنى أخبرتكم المرة السابقة بأنى أحببته بحق.. ومثلما رفضت الرئيس السابق أيدته وأعلنتها.. رأيى سيكون منحازاً بالكامل.. هل تعلمون أنى فى ثورة التصحيح كتبت أنها خطوة لا تخرج إلا من شخصية مثل السادات؟.. فمن كان سيتعامل مع إضراب مراكز القوى بمثل هذا الدهاء؟!..

دهاء السياسى المحنك.. ثورة التصحيح خطواته فيها مثلها مثل خطواته التى وصل بها للحكم بالضبط.. وأنا أخبرتكم عنها بالتفصيل، وكيف أن السادات، وهو أشهر رجال الثورة قبل حركة يوليو، وجد أن الصراعات الداخلية بين رجالها قد وصلت لذروتها حتى إنها فرقت بين أعظم صديقين بينهم ناصر وعامر.. وكيف أخذ حقه بالابتعاد عن ميدان الصراعات تماما.. فقد رأى أن المباراة مكتفية العدد، والنتيجة الحتمية لكل من شارك فيها هى الخسارة.. الخسارة التى ستلحق أيضا بالحكم والمشاهدين..

وتوصل إلى أن الحل والموقف الأمثل هو عدم الخوض فيها والعمل بجد على تدعيم الثورة وتحقيق أهدافها بقدر استطاعته وهو فى منصبه- والذى لم يسع لأعلى منه- وفى جريدة «الجمهورية» على طول الخط، فكان غريباً جدا أن يحصل كل أعضاء مجلس قيادة الثورة وغير القياديين من ضباط الثورة على المناصب الرفيعة والقيادية والسياسية فى الدولة ويرتضى السادات منصبه المهمش فى جريدة الجمهورية، رغم كل ما كان يؤكده عبدالناصر من أنه منصب مهم وخطير، فـ«الجمهورية» هى لسان حال الثورة والمعبرة عنها، ومن يديرها يحتل منصباً خطيراً،

ولكن كان السادات يملك ذكاء يؤهله للخضوع للأوامر التى كان يريدها عبدالناصر يعرف بالضبط بعد أن تخلص من أعدائه من «الأسرة العلوية والإنجليز» من أعدائه الجدد الذين أغرتهم السلطة وأسرهم حب القيادة.. ففطن السادات إلى قواعد اللعبة الجديدة التى يطرحها ناصر ووافق على أن يخوضها بذكاء وليس بغباء مثلما فعل الآخرون، وكان تعبيره عن الرضا بإدارة جريدة الجمهورية هو ما أثار إعجاب عبدالناصر..

وكان كل يوم يزداد إعجابه بولاء السادات وخضوعه «الذى يفهم اللعبة كما قلت» فأراد أن يكافئه فاختاره ليكون الرجل الثانى فى الدولة فى وقت كان عبدالناصر أطاح بكل من حوله من المعارضين لسياسته الفردية وكانت سياسة السادات هى نفسها ما سعى إليها مع مراكز القوى التى ظنت أنها فى عهد عبدالناصر كانت مراكز قوى.. وستظل فى عصر السادات كذلك، ولكن اتضح لهم أنهم فى عهد السادات مراكز توحش، فمارس معهم نفس سياسته ونجح فعلا فيما أراد وتحقق مراده.. وأنتم تعرفون الباقى..

وعندما كتبت أنها خطوة لا تخرج إلا من رجل كالسادات قرأها وفى أول اتصال بيننا بعد هذا المقال أيدته على هذه الخطوة، وعلى قبوله لهذه الاستقالات الجماعية.. بالمناسبة أنا لم أعتد الكلام معه فى تفاصيل قراراته.. أحيانا كانت هناك تساؤلات تلح علىّ ولا أريد أن أشغله بتفاصيلها.. «يغوص مصطفى محمود فى موجة من الضحك»

ويقول: لأننا أحيانا كان يشغل جزءاً كبيراً من جلساتنا الكلام فى الأمور الصوفية والأضرحة وكيف يعمل على تطوير ضريح السيد البدوى بطنطا وهو مشغول بأمور عسكرية وسياسية على الصعيدين المحلى والدولى، وكان يفاجئنى بثقافته الكبيرة والواسعة فى مجال قراءته لكبار الصوفية مثل ابن عربى والحلاج وعفيف الدين التلمسانى والإمام الغزالى وكيف أن مناجاة الإمام النفرى لربه كانت تؤثر فيه حين يقرؤها.

ولأنه يختلف عمن سبقوه سواء الملوك أو الرؤساء فأحيانا كان يلح على «السادات» خاطر أن يخرج بسيارته دون موكب وهو ما كان يعترضه طاقم حراسته.. فكان يحتال عليهم ويخرج بسيارة صغيرة مصرية الصنع.. وكان يحب أن يجلس على «مقاهى» على الأطراف بحيث لا يعرفه أحد، وأذكر هنا موقفاً حدث لنا فى قريته بميت أبوالكوم،

ولأنه لا يذهب إلى أى مكان إلا بحراسة مشددة فإنه ذات يوم ارتدى الجلباب البلدى وأمسك بعصاه، وخرجنا نتجول بعد صلاة العشاء بأحد الحقول المجاورة للمنزل، فأخذنا الحديث أثناء السير ولم ننتبه إلا ونحن على مسافة حوالى ساعة ونصف الساعة من البيت وما كان منه إلا أنه عاد فى نفس الطريق مشياً على الأقدام،

وما إن اقتربنا من المنزل حتى تنبه أحد «الغفر» بأن هناك خطوات أقدام تقترب من البيت داخل الحقل من الخلف وكان الظلام دامساً، فقام برفع السلاح وهرول إلى مكان الصوت ورفّعه وقال له: قول إنتا مين يا إما هطخك بالنار، فضحك الرئيس السادات فردد «الغفير» ما قاله مرة ثانية فقال له الرئيس السادات «أنا محمد أنور السادات» فارتبك الغفير وارتمى يقبل يده حتى يسامحه، فضحك الرئيس السادات بشدة وهو يمنعه من أن يفعل ذلك وهدّأ من روعه وكافأه على ذلك.

وتنهد مصطفى محمود تنهيدة طويلة وقال: لأن السادات كان يقدر الفكر فأراد أن أنشر كتاب «الله والإنسان» مرة أخرى.. وقال لى بضحك «ماتخافش مش هاكفرك.. وهاوصى المشايخ عليك».. ولكنى كنت فى ذلك الوقت قد غيرت بعض أفكاره.. فرفضت وقمت بنشر كتابى (حوار مع صديقى الملحد).. أحيانا كان يتناقش معى فى كتاباتى- كان يوفر من وقته أى جزء من يومه ليقرأ وأحيانا يكتب- ولكن أعظم حدث فى حياتى ارتبط السادات به هو برنامج «العلم والإيمان»..

كان مولد البرنامج بتشجيع منه، خططت لمشروعى الكبير وأزهقت فى التخطيط له آلاف الساعات وأردت أن أبدأه.. كان السادات يزهو كثيرا بلقب رئيس دولة العلم والإيمان- الذى أطلقته عليه- فأراد أن يكون هناك شاهد حى على دولته وعصره.. وكانت للبرنامج الذى التفت حوله الأسر العربية جميعا طوال أربعين عاما، قصة ملحمية نرويها فى الحلقات التالية.

لم نكن نرضى أن نأخذ شهادة فيلسوف الشرق، الدكتور مصطفى محمود عن عصر السادات- صديقه المقرب- دون أن نسأله عن عدة نقاط لم يفسرها التاريخ وظلت مبهمة.. سألناه عن الشيخ الذهبى.. فقال: فى بداية إنشائى مسجد وجمعية محمود الخيرية الإسلامية كنت أدعو بعض المشايخ ليخطبوا فى المسجد.. كانت شوارع ميدان مصطفى محمود فارغة فى البداية، وكان المسجد يمتلئ ويصلى الناس أمام فى تجمع هائل.. أحيانا كان الخطيب من أمثال الراحل الشيخ كشك، الذى دعوته أيضا لإلقاء خطبة فى المسجد لمرة واحدة فقط.. وهو ما كان يدفع الأمن إلى محاصرة المسجد- كالعادة- وفى أحيان كثيرة كان الخطيب الشيخ الذهبى، وزير الأوقاف، واغتيل الشيخ الذهبى..

وكانت صاعقة لاجتماع كل الجهات عليه، بين يوم وليلة ذهب الذهبى- رحمه الله- وهو ما دفعنى إلى التساؤل كثيرا.. من قتله؟؟ واكتشفت أنى لست وحدى من يبحث عن إجابة.. وانتظرت طويلا حتى حانت الفرصة لأسأل الرئيس: ما حل اللغز؟.. وما صدق الروايات التى قيلت على لسان ابنته أن من اختطفوه كانوا من أمن الدولة؟..

وانتظرت متسائلاً فى نفسى: ألا يرغب رئيس الدولة فى اختراق الموضوع؟ لكنه قال بحزم: يا مصطفى الشيخ الذهبى كان راجل الدولة.. وكان شيخ الناس.. «أنا كنت باحبه يا مصطفى.. أقولك على حاجة.. إنت عارف أنا ليه ما عدتش بحب العيال بتوع الجماعات دول.. عشان هما قتلوا الشيخ الذهبى- الله يرحمه».

وسألناه أيضا عن موقفه من معاهدة السلام مع إسرائيل.. فأطرق برأسه إلى الأرض وصمت.. صمت كثيراً.. واحترمنا صمته.. وأخيرا أجاب بجملة واحدة: موقفى تجاه أهل صهيون واضح.. وما قلته للسادات فى ذلك الأمر بالرغم من أن السلام مع إسرائيل خطوة لا يستطيع أحد أن يقدم عليها غيرك وأعلم أن هؤلاء الإسرائيليين لا يوفون بوعد أو عهد ولكن هذه خطوة تحسد عليها ووفقك الله فى نواياك.

وقال أيضا مصطفى محمود وهو يلوح بكلتا يديه: الرئيس السادات شهد عصره أيضا فترة الفتن الطائفية، وحدثت أيامه أحداث الزاوية الحمراء.. وتلاحظون أننى فى هذه الأيام خرجت من هذه الضوضاء.. فلكى تتفرغ للعلم والإيمان سواء كان البرنامج أو الحياة.. ستجد أن تفاصيل الحياة تسقط منك.. الحقيقة تقال هنا أنا كنت مستشار الرئيس الصديق، بمعنى أنى كاتم أسراره..

والجميع أخذ على «السادات» لماذا أجّل مواجهة أئمة وأمراء الجماعات الإسلامية التى نشطت إبان أزمة الزاوية.. ولكنى تعلمت من الرئيس هنا درساً لا ينسى، تعلمت أنه عندما يتعلق الأمر بما يسمى الأمن القومى يجب أن نعطى العيش لخبازه.. والسادات كان داهية- بحق- مارس السياسة طالبا وعسكريا وثورجيا ورئيسا، لعّب الكل على الحبال.. لاعب إسرائيل على الحبال «وجابها أكتاف».. ضحك عليهم وعرف العالم مكانة جزمة مصر على رقبة مين، والولايات المتحدة اللى كانت متأخرة على النظام السابق وبتترسم عليه.. مش هم اللى فتحوا أحضانهم للسادات وخلوه أعظم رجل فى العالم وتصدرت صوره بزى الجنرالات صفحات «التايمز» الأمريكية، ونيكسون قال إن السادات رجل القرن، وجولدا مائير قالت «السادات ثعلب العرب»..

هذا هو السادات.. بيلعب على جميع الجهات اللى فى العالم، ولعب بأسلوبه.. يعنى ضرب.. وعوّر.. واترمى ع الأرض ورفع إيده على عينه وعيّط.. والعالم صعب عليهم السادات وأعطوا لإسرائيل مهلة لغاية ٢٥ أبريل عشان تنسحب من سيناء كلها.. يقوم العيال بتوع الزاوية دول يولعوها.. السادات قالى لو واجهتهم دلوقتى إسرائيل هاتتأكد إن الأمن القومى من الداخل مش موزون وستتراجع عن الانسحاب.. وهو ده اللى أنا كنت خايف منه.

السادات طلع عبقرى أمن قومى.. لكن للأسف أمن قومى خارجى، يعنى عرف يحمى مصر من الخارج، بس عشان يوصل لكده ضحى بمساحة من الأمن الداخى للبلد، وكان يتمنى أن يشعر بالأمان بعد أربعين سنة مؤامرات.. وكان الجيش وطلبة الجامعة أبناءه.. وكان هو كبير البيت أو العيلة زى ماكان بيقول بجد، وزى ما قلنا قبل كده إن السبب فى انهيار صورة السادات كان مجموعة صحفيين من المقربين له.. لأنه لم يكن مركزاً مع الداخل مثل الخارج.

وعن البابا شنودة- صديق الدكتور مصطفى محمود- وخصم الرئيس السادات.. قال البابا شنودة صديق وأخ، والسادات صديقى الأقرب، لكن المشكلة أنى من داخل الأحداث أؤكد أن الاثنين موغور صدرهما بمعنى أن الرئيس كان فى جلسة غداء يوم الجمعة الشهير الذى يقابل فيه بعد صلاة الجمعة فى ميت أبوالكوم طوب الأرض، ولكن كان يغضب بشدة ويثور حينما يسمع اسم البابا شنودة الذى كان بدوره غاضباً بشدة من أخبار كاذبة تصله من مطرانيات الجنوب حول بعض الضغوط على مسيحيين فى الأقاليم فكان الموضوع «عناد مش أكتر»..

على الرغم من أن معظم القضايا التى تظهر تحت مسمى فتنة طائفية بتكون مواضيع صغيرة وبسيطة وممكن هايفة.. ولكن تسيس.. يعنى مثلا بنت مسيحية وقعت فى حب ولد مسلم وأهلهم اكتشفوا هذا الحب يرفضوا هذه العلاقة ويسخنوا الموضوع عشان يمنعوا الحاجات دى تحصل.. وهكذا.

وأراد الطبيب العالم الأديب الفيلسوف مصطفى محمود أن ينهى حديثه عن السادات.. لكننا لم نكن نرضى إلا بالكشف عن شىء جديد فى أحداث المنصة.. وكانت النتيجة مدهشة فعلا.. تكلم بضحك وسخرية وصوت مخنوق أقرب للبكاء.. ضحك لأنه كشف عن شىء جديد كنا أول مرة نسمع عنه هو أن السادات دائم التعرض لمحاولات الاغتيال من قبل حادث المنصة..

فمن المرات المضحكة التى رواها أن الرئيس تعرض لمحاولة اغتيال تورطت فيها دولة عربية عن طريق قناص محترف بواسطة بندقية تليسكوب مقرب، وقد أحبطت هذه العملية القذرة من دولة عربية شقيقة.. المضحك فى الأمر أن هذه العملية كان اسمها (جون كيندى).. وقد جرت محاولة أخرى لاغتيال الرئيس فى أحد المؤتمرات بالنمسا.. ومحاولة غيرها قام بها رجل مخابرات عراقى عن طريق رشوة سائق السادات الخاص، وكلها أحبطت بنجاح الأجهزه الأمنية، لأن الوضع- كما قيل- أن السادات كان «مركِّز قوى» مع الجبهات الخارجية..

بينما كان مطمئناً، شيئا ما، إلى الجبهة الداخلية التى كان يعتبرها مجرد تمرد أبناء على أب حريص دائما على تقديم المصلحة لأبنائه الذين لا يدركون تلك المصلحة.

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود - الحلقة (١٥):أنا والسادات.. والجماعات الإسلامية

■ قلت للسادات.. أتمنى - بصفة شخصية - أن أضيع عمرى فيما يعلى من صورة الإسلام الصحيح.

■ الإسلام أكبر من السؤال عن طول الجلباب واللحية والسواك سُنة ولا لأ.

■ ليست القضية أن نعرف من صنع الجماعات الإسلامية.. فنحن نرى فصائل الجماعات تقف وتهزم وتحرج أعتى قوة فى العالم .

■ هل من يساعد فى نهضة الجماعات الإسلامية محب للإسلام.. أم يفعل ذلك لمصالح خاصة؟!

■ إذا قامت الجماعات الإسلامية بإنهاء تلك المصالح ستساعد فى تحضير عفريت كبير.

■ هى الجماعات دى مين بالضبط «إخوان ولا جهاد ولا سلف ولا قطبيين.. ولا إيه».

مصطفى محمود

«كان السادات يغمض عينيه فيرى المستقبل.. ونحن نفتح عيوننا ولكن نرى الماضى» المشكلة الحقيقية التى واجهت فيلسوف الشرق - الدكتور مصطفى محمود - كانت طبيعة علاقته بالسلطة - فكما ذكرنا فى الحلقة السابقة.. كيف انتاب الدكتور مصطفى محمود الارتياب بعد الحفاوة التى وجدها فى استقبال محمد أنور السادات له بعد احتلاله منصب الرجل الثانى فى الدولة كنائب للرئيس جمال عبدالناصر.. وخطر على باله السؤال الأهم فى هذه اللحظة.. كيف ستكون طبيعة العلاقة بينه وبين السلطة التى أذاقته الكثير خلال الخمسة عشر عاماً السابقة.. وهنا يمكن أن نطرح السؤال هل سعى مصطفى محمود إلى السلطة؟

والإجابة بالفعل لم يسع إليها بل سعى السادات للوصول إلى عقلية مصطفى محمود بعد أن اكتشف الاثنان فى بعضهما ألفة، ووجد كل منهما عند الآخر متنفساً، لذا فقد جاهد الدكتور مصطفى محمود لفض أى ارتباط بينه وبين السلطة.. رفض بلباقة أى منصب يقترب منه وصده بشياكة متعللا للسادات - بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية - بأنه ليس بقادر على منصب وزير أو أى منصب آخر، وهو الذى فشل فى إدارة أصغر وحدات المجتمع - أسرته - وقال بالحرف (كيف سأقف أمام الله وأتحمل حسابه على المهمة والسلطة الملقاة على)!!

أما عن أهم النقاط التى ركز فيها الدكتور مصطفى محمود وهو يسرد ذكرياته مع السادات فهى الحرية التى تفتحت أمامه.. ككاتب.. وأمام الكثير من الكتاب الآخرين وهنا يقول المفكر الكبير مصطفى محمود.. الحقيقة تقال.. عصر الرئيس السادات كان عصراً مزدهراً للمثقف والكاتب.. فكان للمثقفين والكتاب والمفكرين مساحة غير متوقعة من الحرية فى التعبير عن آرائهم المختلفة وهم الذين عانوا كثيرا من قبل..

ووصل الأمر بالبعض إلى الهجرة وارتضاء حياة الهجرة طوعا أو نفيا.. عادت الحرية للكاتب وعاد هؤلاء المشردون فى الخارج وخرج المعذبون من المعتقلات بعد أن ألقى الرئيس السادات خطابه الشهير بأن يمارس الجميع عمله فى حرية تامة وأن يسارع كل الكتاب المشردين فى شوارع باريس والدول الأوروبية بالعودة إلى الوطن وذلك بعد قيامه بهدم المعتقلات والسجون التى قال عنها إنه أكثر شخص يحتقر هذه الأماكن ويعرف عواقبها وأضرارها لأنه مازال يعانى من أمراض بالمعدة بسبب سوء الأطعمة التى كان يتناولها أيام اعتقاله المتكرر قبل الثورة أثناء اشتغاله بالعمل السياسى واتهامه فى قضية التخابر مع الألمان وقضية اغتيال أمين عثمان وغيرها..

وبينما كان الجميع يتناقش حول العهد الجديد واختلافه عن العهد السابق.. فى مناقشات لا تضيف.. كنت أنا أستمتع بالعهد الجديد على طريقة عهد السادات بالتأكيد.. فقد أخرجت كل ما دونته وكتبته ولم ير النور بسبب ظروف هذا العهد السابق.. وبدأت مرحلة الاستمتاع - ولأول مرة تذوقت طعم الحرية - وأعطيت هذه المسرحيات والكتب لتنشر أولاً - كالعادة - مسلسلة فى مجلة صباح الخير إبان فترة رئاسة الأخ الكبير عبدالرحمن الشرقاوى..

وأتذكر أننى تعرضت لموجة من اعتراضات صلاح حافظ وزملائه على نشر هذه المسرحيات فذهبت فورا إلى صديقى الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإعلام فى هذه الفترة وصارحته بالأمر فقال لى سوف أتصل بالرئيس السادات فقلت له لا نريد أن نزعجه، فقال لى سيغضب جدا إذا لم أبلغه بمشكلة تعوقك أنت بالذات، فهو يكن لك معزة خاصة جدا ودائما يردد هذا أمامنا فى مجلس الوزراء عندما تأتى سيرتك.. وعندما أعرضت أنا عن الاتصال.. قام الدكتور عبدالقادر هو بالاتصال بالرئيس السادات وكان وقتها يستجم فى استراحة القناطر وفور أن أبلغه عبدالقادر أبدى استياءه الشديد وقال بالنص (كل كتب وروايات مصطفى محمود وأعماله الأدبية تنشر فورا بصورة لائقة ومسلسلة فى صباح الخير)..

وبالطبع غمرتنى السعادة لعدالة وإنصاف هذا الرجل لى، واتصل عبدالقادر حاتم بعبدالرحمن الشرقاوى وأبلغه بأوامر الرئيس، ولكن يبدو أن عبدالرحمن الشرقاوى ظن أن هذا الكلام غير حقيقي، فلم يهتم بالمسرحيات فأبلغت عبدالقادر مرة ثانية لأننى كنت حريصاً أن تخرج أعمالى إلى النور فما كان منه إلا أنه -على الفور- حدد موعدا للشرقاوى فى مكتبه بجريدة الأهرام لمقابلته وبمجرد أن شاهدنى الشرقاوى فى مكتب عبدالقادر حاتم بالأهرام، أخذنى بالأحضان وقال لى رواياتك تحفة رائعة، وأنا سوف أنشرها داخل العدد القادم لمجلة صباح الخير..

وبعد يومين وكان اليوم بالتحديد الخميس ليلا.. وجدت اتصالاً من الرئيس السادات يسألنى ماذا لو صلينا غدا الجمعة معا.. ورحبت طبعا وأنا تغمرنى السعادة لبساطة هذا الرجل وفى العاشرة وجدت سائقه على بابى يسألنى هل استعددت.. كانت السيارة الخاصة بالرئيس.. السيارة الأولى فى الدولة.. وقد اندهش ابنى أدهم من هذا الوضع وحاول أن يسألنى عن هذا الوضع الغريب الذى لم يتعود أن يراه، ولكن كان من الصعب على أن أقول له إن هذه سيارة الرئيس السادات الخاصة.. تحملنى إليه لنتشاور فى قضايا تخص الدولة والشعب، فقد كان صغيرا.. وهذه سيارة الرجل الأول!! ولكنه عرف كل شىء بعد ذلك.

وذهبت متوقعا أن أقابل الرئيس فى قصره لكنى فوجئت بالسيارة تشق طريقها إلى بلدة السادات الأصلية بمحافظة المنوفية - ميت أبوالكوم - وصليت معه والحضور وسألنى عن أحوالى، ودخلنا على مائدة الغداء.. وضحك من نظامى الغذائى الحذر من أى طعام ثقيل على المعدة وسألنى بغتة.. إيه رأيك فى الجماعات الإسلامية يا دكتور؟؟ وايه رأيك فى الشغل اللى عاملينه فى الجامعات والمساجد؟؟

الإجابة كانت على لسانى.. أنا دائما لا تقف أمامى أسئلة من هذا النوع.. يكفى أن قضيت أربعين عاما من عمرى أفكر فى القضية التى أسأل عنها اليوم.. ولكن هل تكفى أربعون عاما للإجابة عن سؤال الحاكم الذى يصدر القرارات.. وصمت قليلا.. واحترم هو صمتى.. وأجبت بصوت منخفض ارتفع تدريجيا.. «الموضوع أكبر من السؤال اللى حضرتك بتسأله.. بمعنى.. الجماعات دى بتاعت مين.. يعنى هى صناعة إيه.. وحضرتك خير اللى عارفين إن احنا مابنصنعشى حاجه.. السؤال ده المفروض حضرتك تقسمه لعدة أسئلة.. أولها.. مين صنعها؟؟

مين صنع الجماعات دى.. حضرتك بتشوف فصائل الجماعات بتقف وتهزم وتحرج أعتى قوة فى العالم - يقصد أفغانستان القديمة أمام الاتحاد السوفيتى قبل سقوطه - واللى بيساعد فى قومة الجماعات الإسلامية دى عشان هو بيحب الإسلام.. ولا عشان مصالحه.. وإذا قامت الجماعات الإسلامية بإنهاء مصالحه وتنفيذ أجندته من غير ما يدرى هايكون حضر عفريت كبير..

والسؤال التانى الفصايل اللى عندنا فى مصر من أى الأنواع هل هو مصنوع أم منشق.. يعنى فى الأول والآخر هل هو بينه وبين الغرب أجندة أم لا.. وبعدين الجماعات اللى عندنا فى مصر دى مختلفة قوى ياريس.. يعنى يجبرونا نسأل سؤال تالت مهم قوى.. هى الجماعات دى مين؟؟.. إخوان ولا جهاد ولا سلف ولا قطبيين.. ولا.. ولا.. «وقلت له.. بصفة شخصية «يا ريس أنا أتمنى أى حاجه تخص الإسلام نجمها يعلى يعنى بصورة أوضح هو ده اللى المفروض أضيع عمرى عشانه بس هى المشكلة يا ريس إن احنا نتفق معاهم على معنى للإسلام..

وبعدين الإسلام مش هو اللحية وطولها إيه والسواك قبل الصلاة سُنة ولا طول الجلباب.. والبدل دى كفر ولا لازم الجلباب.. مش هو ده الإسلام اللى نساعد على نشره يا ريس.. الإسلام اللى نشيله فوق اكتافنا.. هو الإسلام الداخلى.. هو كرامة المسلمين.. ماينفعشى ياريس العالم كله قاعد يحتفى بالطيار اللى عطل رحلته ونزل من السماء عشان ينقذ قطة كانت مزنوقة فى المحرك.. واحنا المسلمين الملايين بيموتوا من الجوع والفقر كل يوم.. ويقوموا يطلعوا خنجر فى ضهرنا اسمه الجماعات الإسلامية»!!

اندهشنا.. واستمعنا فى ذهول لهذا الحوار التاريخى.. مصطفى محمود لخص مشكلة الإسلام والمسلمين وعلاقتهم بنا وعلاقة الغرب بالجماعات واختلاف الجماعات فى سبع دقائق.. لخص ما شغل كتاباً وصحفيين وساسة دول العالم الغربى والشرقى فى دقائق.. هل قلت هذا للرئيس السادات؟ نعم.. ولم يقاطعنى أو يشرد أو يضحك مع انفعالى.. فقط استمع.. واستمع بدون أن يقاطعنى.. أنا لم أنقل لكم الحوار بكل تفاصيله.. وكان هذا الموضوع هو الجرح الذى أثارنى.. حيث يتعلق بالإسلام والإسلام الجديد والمسلمين الجدد.. وأين إسلام الأزهر من كل هذه الجماعات.. وحال المسلمين وسط كل هذه الأحداث .

الحقيقة أننى عندما توطدت الصلة بيننا أحببته.. أحببت السادات.. وأحببته أكثر لأننى وجدت فيه مصرية خالصة فكان يحب أن يعيش حياته ويحب أن يعيش غيره حياة أفضل لم يكن متشوقا لهدم الشخصيات الكبيرة أو حاقداً وناقماً على الأغنياء مثل من سبقوه فى حكم مصر سواء من الملوك أو الرؤساء ولكن أخطأ الجميع فى فهم شخصيته سواء فى الداخل أو فى الخارج.. ومن هذا اليوم وهناك قانون شهرى أصدرناه فيما بيننا أن نتقابل صباح أحد الجمع من كل شهر.. السيارة السوداء التى تخص الرجل الأول فى مصر تعبر تأخذنى فى الموعد.. لأصلى معه ونأخذ يومنا معا يسألنى فى شىء وأرد عليه.. لا أحب كثيرا أن أتدخل فى سياسته..

ولكنى ألقى عليه بعض الاستفسارات التى تلح على مثل وضع مصر قبل الحرب وحالها بعد الحرب.. وما هو دور الولايات المتحدة فى الأمور بالضبط.. وكيف سيرد على العرب الذين يتهمونه بالخيانة.. وكيف سيداوى جراحنا مع سوريا.. وهل بالفعل يعتمد على السوفيت فى كل شىء كما فعل عبدالناصر.. وما هى الحلول التى يطرحها للأزمات الداخلية خاصة أن الجميع يحاولون التشكيك فى قدراته.. وأحيانا كنت آخذ بعض العبارات من على لسانه، وأضعها فى مؤلفاتى.. لقد كان السادات يمتلك صدراً رحباً، فيسمع النقد أو الرأى الآخر ويدرسه إلى أن يصل إلى القرار..

وذات مرة سألنى باهتمام شديد عن رأيى فى أحد الحوارات التى كان يصرح بها لمجلة مايو.. بصفة دورية.. وسألنى عن رأيى فى أحد الحوارات التى أدلى بها لجريدة قومية.. وفى الحقيقة كانت قد انتابتنى الدهشة فى هذا الأسبوع بالذات لأن الرئيس السادات كان قد أعطى ثقة عمياء لبعض الزملاء من الصحفيين.. إلا أن هؤلاء الصحفيين يبدو أن لهم رأيا آخر.. فقد شاهدت شيئا مخيفاً..

فى تلك الأيام كان الرئيس ينشر يوميات مصورة له منذ صباحه حتى منامه ويظهر وهو يحلق ذقنه ثم وهو يمدد قدميه على مخدة ريش نعام.. فى بهو منزله - وقت القيلولة - وفى نفس الوقت كانت هذه نفس مرحلة انتشار العشوائيات وظهور مظاهر جديدة على الشعب المصرى مثل سكان القبور وطوابير الجمعية وظهور أثرياء بثروات فاحشة، نتج عنهم بالتالى فقراء معدمون..

أما الشىء المخيف الذى شاهدته فهو أن السادة الذين وثق بهم رئيس الدولة قد قاموا بنشر صور الرئيس فى الصفحة الثالثة بعد أن أقنعوه أنها تأريخ لتفاصيل حياته الإلهية، التى يحتاجها الشعب المصرى. ونشروا فى الصفحة المقابلة سلسلة تحقيقات عن سكان القبور وعن الفقراء والفئة المعدومة التى ظهرت حديثا.. وبعد انتهاء حلقات صور الرئيس.. ملأوا نفس الصفحة بأخبار أبناء الرئيس وبنات الرئيس وحفلاتهم وزواجهم وأعياد ميلادهم ونزهاتهم وتفوقهم .. إلخ.

وهنا يمكن أن أقول إن من هؤلاء الزملاء الذين وضع فيهم السادات ثقته من لم يكونوا محل ثقة، وحاولوا أن يشوهوا صورته أمام شعبه وصارحته برأيى وما كان منه إلا أن أوقف هذه السلسلة من التحقيقات، ولكن بعد أن كانت اكتملت وعملت مفعولها.. وها أنتم ترون النتيجة التى بثها مثل هؤلاء فى ضعاف النفوس من الفقراء.. لتكون النتيجة الهائلة.. حادث المنصة.


الثلاثاء، 19 يناير 2010

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود -الحلقة (١٤): أيامى مع السادات

■ ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذى يتعبه تحت الشمس.

■ كل الأنهار تجرى إلى البحر والبحر لا يملأ.

■ كل الكلام يعجز لا يستطيع الإنسان أن يعبر عن الكسل.

■ العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع، والاختلافات الفكرية والسياسية لا تنتهى، والسجون مهما مر الزمن فلن تمتلئ، وضحايا الظلم فى كل مكان، والفراعنة هم فى الأساس من صنع البشر.

■ ولكن الحقيقة أن كل تعب الإنسان إلى بطنه يذهب وهى لا تشبع، فالذهاب إلى مأتم خير من الذهاب إلى وليمة زفاف، لأنه خير تذكير للإنسان بالنهاية ليضعها أمام عينه ويغلق عليها قلبه «المتقلب».

مصطفى محمود

«لم تكن عدالة الحكام فى كل زمان ومكان دائما تؤدى إلى العدل الكامل.. أو الرفاهية الممتعة.. أو رفع الظلم عن المظاليم.. وكما كان ظلمهم فى أحيان كثيرة يرضى طبقة المنتفعين.. كان يغضب الفقراء والمحتاجين» هكذا تحدث مصطفى محمود.

بدأ المفكر الراحل فى الحديث عن الرئيس السادات حاول فى البداية أن يتحدث عن عصره وكأنه شاهد من الخارج. تحدث بلغة المراقبين الراصدين لأحوال الوطن من مكاتبهم.. ولكننا لم نرض بذلك بالطبع.

كيف تتحدث بحياد عن عصر كنت أنت أحد صناعه ورواده؟ كيف تتحدث عن منزلك مثل زائر عابر، الجميع يعرف أن عصر السادات كان عصر مصطفى محمود.. ويطلقونها مدوية أمامك ومن وراء ظهرك.. والجميع يعرف أيضا أن العلاقة الوطيدة بينك وبين السادات ممتدة قبل حتى أن يكون رئيسا.. فقال مررت بمراحل عمرية كثيرة داخل جسد هذا الوطن شاهدت خلالها ملوكاً ورؤساء رحب بهم الشعب ورؤساء قفزوا على المقعد وآخرين وصلوا بمجهودهم وآخرين بالصدفة البحتة..

أما أكثر ما أثر فى بعد ثورة «٢٣ يوليو» أنها طوت تماما عهد ما قبل الثورة وكأنه لم يكن، فمن منا يتذكر المطربين أو السياسيين؟ قبل الثورة كانوا بالآلاف وبعد الثورة لم يظهر على الساحة غير نسبة بسيطة منهم تعد على الأصابع وهم الذى أراد رجال الثورة إظهارهم فالثورة هى ذاتها مسحت بعض أسمائها، فعندما خرجت علينا بين يوم وليلة كان زعيمها القائد الطيب رقيق القلب محمد نجيب، ثم فوجئنا بتحديد إقامته ويحصل على اللقب بعد ذلك عبدالناصر ويطبق الاشتراكية وما حدث بعد ذلك نعرفه جميعا وهو العصر الذى انتهى بنكسة ٦٧..

وبعد رحيل عبدالناصر انتصب كيان كبير اسمه محمد أنور السادات ذلك الرجل صاحب التاريخ السياسى الكبير، الذى كان اسمه أبرز أسماء الضباط الأحرار، فقبل الثورة كان يعمل بالسياسة واتهم فى قضية اغتيال أمين باشا عثمان وخرج منها براءة بعد محاكمات دامت شهوراً طويلة كان يتابعها الشعب المصرى بشغف شديد،

ثم بعد ذلك فصل من الجيش بتهمة التخابر مع الألمان ضد الإنجليز «بريطانيا» التى كانت تحتل مصر آنذاك، وكان مثقفاً فى شتى المجالات وكتب أيام هروبه من السجن فى حلقات مسلسلة نشرت فى دار الهلال، فكان للرجل تاريخ مشرف وكان من الطبيعى بعد قيام الثورة أن يتم تحجيم دوره من قبل مجموعة الضباط الأحرار الآخرين خاصة أنهم غير معروفين بالمرة والحقيقة أن السادات كان صاحب عقلية عبقرية ولكن لم يظهر الكثير من مهاراته فى عهد عبدالناصر، بل ابتعد عن مجال الصراعات التى كانت تدور على الرئاسة لأنه كما قلت كان عبقرياً وكان يقرأ الواقع..

وعلم تماما أن الدخول فى هذه الصراعات سيجعله واحداً من الأرقام الموجودة حول ناصر والتى يحذفها واحداً وراء الآخر بجرة «استيكة» مخابراتية.. كان طموح السادات أكبر من أن يكون مجرد رقم حول ناصر.. كان يريد أن يكون مختلفاً أحاط نفسه بهالة الهدوء- رغم أنه غير هادئ بالمرة- ودخل فى إطار المثقفين وابتعد عن حياة العسكر ودوشتهم.. وهو ما لفت أنظار ناصر إليه بشده.. هل تفهمون ما أقصد؟..

«الجيم» هنا كان لعبة قط وفار، ولكنك لا ولن تصل أبدا لمن هو القط ومن منهما الآخر.. رئيس متحاوط بقيادات عسكرية حازمة تقود الجيش والاقتصاد والمخابرات والصحافة والإعلام والمحافظات وكلهم فيما بينهم يجمعهم هدف واحد، الاستحواذ على قدر من السلطة أكبر مما يحوذ.. ويضع كل منهم سيناريو لمنصبه الرفيع فى السنوات المقبلة لاسيما بعد عهد عبدالناصر..

وفى الوقت نفسه ناصر الذى يراقبهم واحدا واحدا بتركيز ويعرف تماما باستخباراته الخاصة المتشعبة خطط الجميع، كان يلاحظ السادات أبرزهم جميعا قبل الثورة وأكثرهم خبرة فى المجال الأمنى والعسكرى، يأخذ جانبا من هذه الصراعات ولا يسعى لأى منصب أكثر من منصبه وبالإضافة لكل ذلك يؤيد الثورة على طول الخط لا يؤيد جمال فقط، بل إنه فى معظم مقالاته فى الجمهورية التى رأس تحريرها يؤيد الثورة ومبادئها..

هل ضرب جمال كل رجال الثورة وقياداتها على مؤخرات أعناقهم عندما اختار السادات نائبا له؟ أم أن السادات هو الذى قام بتلك الضربة بتخطيطه الطويل الهادئ؟ ده السادات.. منوفى.. أنا بالفعل آمنت بهذا الرجل.. آمنت به.. واختلفت معه.. وأيدته ثم رفضت طلبات له.. وتقبلت ثورته بهدوء.. وأقنعته برأيى.. وحصلت منه على ما أريد. و.. و.. ده السادات.. كنت أحب السادات جدا وأتذكر أنه قبل رئاسته للجمهورية اتصل بى تليفونيا ليهنئنى على كتابى «القرآن» محاولة لفهم عصرى وقال لى كتاباتك الأخيرة كانت متميزة يا مصطفى وقال لى أريدك أن تزورنى فقلت له سأحضر إليك فى المكتب قال لا مكتب إيه يا مصطفى تعالالى فى الفيلا انت مش غريب وبالفعل زرته فى فيلته بالهرم وعرفت من يومها أن السادات ابن بلد وجدع ويتمتع بكرم الفلاحين..

وناقشنى فى الكتاب وداعبنى بسؤاله وانت شكاك عامل مشاكل بكتبك- يقصد كتاب الله والإنسان وما أثاره من جدل فى الخمسينيات- وبعد وصولك لليقين بقيت منبر كبير للإيمان وعامل مشاكل بردك.. هو انت إيه، وضحكنا كثيرا يومها.. وسألنى لماذا تهاجمك بنت الشاطئ بهذه القوة.. وكيف ستخرج من هذه الأزمة وأجبته: عائشة عبدالرحمن.. كاتبة قديرة لكنها تأخذ كل شىء بعاطفتها.. حضرتك تعرف تماما أن أنا وعائشة كنا مقربين تماما لكن أزمة كتابى الأخير (القرآن.. محاولة لفهم عصرى) الذى كان عبارة عن مجهود منى واجتهاد كما قال الرسول (ص) واللى المفروض آخد عليه إما ثواباً أو ثوابين ولا أقابل بهذه الحرب الضروس التى أعلنتها على بنت الشاطئ..

وتأكدت فى ذلك اليوم مما يقال عنه من أنه إنسان ظريف للغاية ويتمتع بروح الدعابة.. وانتهت الزيارة بإيمان منى وارتياح واقتناع منه. وواظبنا على المكالمات الهاتفية.. وعندما علمت بأنه تولى منصب نائب الرئيس اتصلت به وهنأته فقال لا ماينفعش فى التليفون يا درش لازم تزورنى انت وحشتنى.. وذهبت وأنا أحمل بعض التحفظات فى الكلام والهمسات والحركات فأنا اليوم فى حضرة السادات رئيس الجمهورية وليس المسؤول الكبير كما فى السابق فوجدته يقول لى..

مالك يا درش إنت قاعد متكتف كده ليه.. فك وخد راحتك فقلت له مايصحش يا ريس فضحك وكالعادة تكلمنا عما أكتبه وقضايا أثيرها بكتاباتى وداعبنى فى ذلك اليوم قائلا، وهو يضحك بشدة أنا شاهدت لك برنامجا، وحين سألتك المذيعة عن صوت سعاد حسنى قلت إن صوتها منعش إيه قصدك يا درش؟

واستغرقنا فى الضحكات، وقلت والله قصدى خير.. كانت هذه المقابلة مثل غيرها لكن زاد عليها أنه كلمنى لأول مرة عما يشغله هو عن مشاكله التى زادت بعد الموقع الجديد الذى احتله.. كلمنى عن حملة السخرية التى تعرض لها ونظرات العداء، التى قابله بها زملاء حركة يوليو بعد أن ترك كل مناصب الجيش ومناصب الدولة الأمنية دون طمع منه فى منصب أحد منهم..

وقال لى إن ما حصل عليه نتيجة عمل دائم وانشغال بقضايا تهم البلد وأبناءها لمدة أربعين عاما.. أحسست فى تلك الجلسة بأن السادات يستشف منى شيئا آخر.. هو يختبر مدى قرب أفكارنا.. عقلية السادات مع عقلية مصطفى محمود.. أحسست أن المقابلة هى بداية لشىء ما.. شىء جديد على، وأنا الذى أتعرض للحرب من السلطة منذ عشرين عاما أجد نفسى محط اهتمام غير عادى من أهم رجل فى الدولة.. هنا أريد أن أسجل تلك الملاحظة.. لأنها لحظة فارقة.. عندما تفتح أمام العالم أبواب السلطان.. كيف سيتصرف هل يطوى نفسه تحت جناحه؟

هل يثبت على موقفه؟ وكيف ستكون العلاقة بينهما؟ أى هل العلاقة ستكون بين حاكم ومحكوم أم بين صديقين من حقهما أن يتناقشا بحرية.. يختلفا.. ويتخاصما.. هذا الأمر شغلنى كثيراً، ويجب أن يشغل عقل كل مفكر أو عالم يقترب من السلطه أو تقترب هى منه.. أنا بالفعل معجب بالسادات.. مقتنع به تماما منذ البداية.. وزادت سعادتى عندما تولى منصب الرئاسة وتيقنت أن مصر مقبلة على عصر آخر.. أردت أن أبارك له، ولكنى وجدت تليفونه مشغولاً دائما، ولم أستطع أن أكلمه وانشغلت فى كتبى، وبعد قليل فوجئت بتليفون منه وطلب مقابلتى..

وحددنا موعداً وقبل الموعد بقليل فوجئت بسائق الرئيس عندى فى البيت، ويسألنى إن كنت مستعدا للذهاب.. وذهبت ألبى دعوته لى وبمجرد أن شاهدنى أخذنى فى أحضانه وعرفنى على من لا أعرفهم من الموجودين، وكان أبرز الحضور.. عثمان أحمد عثمان.. وأنيس منصور.. وممكن أن تقول إن الجميع فوجئ بحضورى يتقدمنى مساعدا الرئيس فى هذه المناسبة وفى هذه اللحظة وهذا اليوم بالذات واندهشت أنى حضرت فى نهاية الجلسة..

ولكنى أحسست بأنه يريد أن نجلس معا وحدنا وطبعا كان الأمر متبادلاً. وبمجرد انفرادى به طلب منى أن أستمع إلى كلامه جيدا.. وأخبرنى بأنه يريد أن يجعل الثقافة المصرية قريبة من النظام الأمريكى الذى يعجبه كثيرا.. لذلك طلب منى أن أكون معه فى إنشاء مجلس مستشارين مثل مجلس المستشارين الأمريكى، وقال لى أيضا أنت يا مصطفى إنسان مفكر وخلفيتك الثقافية والعلمية رائعة وأنا من أشد المعجبين بيك، وعايز الولاد فى المدارس يفكروا زيك..

حتى لو درسنالهم كتبك فى المدارس.. ضحكت أمامه وقلتله بلاش يا ريس.. عشان ماحدش يطلع ويقول إنك هاتبوظ العيال فى المدارس.. لم يضحك.. ووجدته يقول فى جدية: أنا محتاج لك يا مصطفى فقلت له على الفور طلباتك أوامر يا ريس فوجئت به يعرض على أكثر من وزارة (الثقافة أو الأوقاف) ولكن لم يكن من ضمنها منصب وزير الصحة أو وزير الإعلام كما شاع فى وقتها..

ويبدو أنه لاحظ التردد فى عينىّ فأكمل الحديث فى مواضيع عادية وعند الانصراف قال لى «هانتكلم قريب يا مصطفى بس جهز نفسك عشان شغلك الجديد».. ضحكت معه وغادرت وظللت طوال الأيام التالية مشغولا بكلامه وعرضه المغرى هذا.. أنا مصطفى محمود.. مش عارف عن نفسى غير راجل بيعرف يقرأ ويكتب.. أشغل نفسى فى المرصد وأفكر فى كواكب الفضاء.. ألعب بالميكروسكوب وأشغل نفسى بالبروتون والنواة.. أشرّح نباتاً أو حيواناً وأقارنهما بتركيب الإنسان.. أحضر جلسة صوفية..

أقرأ جزءى قرآن وتفسيرهما.. لكن أن أكون وزيرا.. أنا أعانى من عشرين سنة من السلطة ورخامتها وتسلطها.. فجأة كده أدخل اللعبة.. لو فى بلدنا دى وزير الثقافة بيكون مثقف فعلا.. ووزير الصحة بيكون عالم فى الطب ووزير الرياضة بيكون بطل وخبير رياضى لا يشق له غبار كنت أقول ماشى.. لأنى هاكون فى عملى وأنا مستمر فى ممارسة طقوسى واهتماماتى..

لكن الحقيقة معروفة «الجيم عندنا فى مصر مش نضيف».. المسؤول، أى مسؤول ما يصدق يمسك فى مكانه وينسى نفسه وشغله وأحلامه القديمة النضيفة.. ويرمى مبادئه على الباب وهو داخل ويركز فى شىء واحد إزاى يتبت فى الكرسى بتاعه.. وأخدت قرارى داخل نفسى أننى لا أصلح لهذا المنصب وهو أيضا لا يصلح لطبيعتى..

وكأن السادات حس بيه.. الله يرحمه كان فاكر إنى متعقد من الوزارات فاتصل بى بعد يومين، وقال يومها أريدك أن تكون رئيسا لمجلس إدارة دار الهلال بالإضافة إلى كونك مستشارا لى وبالطبع وجدت نفسى فى حرج بالغ من كل هذه الثقة الزائدة فى، ومن كل هذه المناصب التى هبطت علىّ من السماء، وقلت له «أنا يا ريس بكل صراحة فشلت فى إدارة أصغر وحدة فى المجتمع، وهى زواجى فكيف تتصور أننى يمكن أن أنجح فى إدارة مؤسسة كاملة تحوى آلافاً من الموظفين، والأدهى أن أتحمل مسؤوليتها الاجتماعية وأتحاسب على إللى حققته وإللى فشلت فيه قدام ربنا..

وأنا بطبعى إنسان لا أحب الارتباط بمكان، وأبسط شىء إنى عمرى ما كان عندى مكتب ودائما أحب الحرية والانطلاق» وانفجر السادات ضاحكا وقال لى «هو فيه واحد بيعرف يدير مراته يا درش؟!» وقال لى «فكر فى هذا العرض» ولكننى أصررت على موقفى ورفضى لهذه المناصب مع تقديم الشكر له على هذه الثقة. قبل أن ينتهى لقاؤنا قلت له سينتهى الكاتب بداخلى مع أول يوم لى مديراً وسأكون مديراً فاشلاً ولن أجد وقتا لأكتب فيه وسوف تخسر أنت فىّ الأخ والصديق، وكان رفضى عن اقتناع ثابت فى كل الأحوال، وهو أننى لا أصلح إلا كاتبا، اقتنع الرئيس السادات بوجهة نظرى، واكتفيت بقبول العمل كمستشار شخصى له لكى أكون دائما بالقرب منه

الأحد، 17 يناير 2010

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود --الحلقة(١٣):عشت بين سكان «الدنكا»

■ الإنسان فى المناطق القطبية سمين مكتنز بالدهن، تماما مثل الدب والحوت، ليقى نفسه غائلة البرد، وهو فى المناطق الاستوائية الحارة نحيل هزيل أسود كأنما اخترع لجسمه مظلة تقيه الشمس وسحالى الكهوف، التى تعيش فى الظلام لا وظيفة عندها للبصر ولا للألوان ولهذا فهى عمياء وبلا لون، على حين أن سحالى البرارى حادة البصر وملونة

مصطفى محمود

أمران عُرف بهما مصطفى محمود.. الأول أنه حقق كل حلم خطر على باله حتى لو كان حلمه ذات يوم أن يحصل على ما حصل عليه السندباد.. فهذه الشخصية الأسطورية التى جابت العالم وحصلت على تجارب ومعارف أسطورية حلم بها الطفل مصطفى محمود منذ ثمانين عاما وهو يقرأ قصصه المرسومة على ورق أصفر، والتى كان والده يحضرها له وهو عائد من عمله.. وبعد ثلاثين عاما حقق الشاب مصطفى محمود حلمه بعدما جاب مئات الدول والقبائل الأفريقية والمناطق المجهولة فى صحراوات أفريقيا وأدغال أمريكا الجنوبية وجبال آسيا..

حاول الوصول إلى أعماق المناطق التى يحط فيها ولم يشاهدها من الخارج، ويهتم بالتقاط صور له أمام المعالم السياحية كما يفعل أى سائح لدرجة أن يسير من وسط أفريقيا إلى القاهرة على أقدامه على مدار شهور، يحدد منابع النيل، ويخترق أدغالاً لم نسمع بها ويعيش مع أبناء قبائل هذه الأدغال.. ثم يذهب إلى لندن ليزور بيج بن وفقط بل اخترق أحياء لندن غير المعروفة، ودخل إلى أزقة وشوارع مجهولة ووصل إلى منازل وأوكار الروحانيات الشهيرة فيها.. هل شارك مصطفى محمود فى جلسات تحضير الروحانيات؟

نعم، شارك وسجل وحلل ثم ضحك فى النهاية، وقال إن دراويش السيدة أكثر إتقانا من علماء تحضير الأرواح الإنجليز المشهورين الذين تُكتب عنهم موسوعات وكتب.. وكل ما سبق يعتبره البعض كثيرا جدا، لكن مصطفى محمود وحده يعلم السر فى ذلك، وقد قاله بالفعل، إن كل ذلك إشباع لرغبة طالما انتابته وهو صغير بأن يعيش ما عاشه السندباد، وفقط.

الأمر الثانى الذى اشتهر به مصطفى محمود بعد تحقيقه لأى حلم خطر على باله وهو طفل.. أنه لم يأخذ الدين ويتقبله كالآخرين.. وفى رحلته غير المسبوقة بين مذاهب العالم مر على وبكل مذاهب الأرض، ففى آسيا راقب عبدة النار وعبدة الأبقار وعبدة الجبال والشمس والأعضاء الجنسية، وفعل الأمر نفسه فى الأمريكتين شمالا وجنوبا.. ثم مرّ بأوروبا زائرا، محللا ومفسرا لكل ما تراه العين، وحاكيا لما نعرفه عن تلك الدول المتقدمة.

لكن.. ما أكثر التجارب تأثيرا على الدكتور مصطفى محمود؟
إنها رحلته إلى قبائل الدنكا، التى أشبعت عنده الشقين السابقين: غريزة الترحال، وغريزة المعرفة الدينية.

ويقول فيلسوف الشرق عن هذه الرحلة: قبيلة «الدنكا» التى تعيش على ضفاف النيل الأبيض بالسودان أكثر قبائل الغابة تدينا، وهم يعتبرون كل ظاهرة تحدث فى الحياة اليومية حتى الظواهر التافهة إشارة إلهية تستدعى ذبح شاة وتقديم قربان، وأثناء إقامتى بينهم حطت طائرة أوروبية فى تونجى بين قبائل الدنكا أثارت حالة من الرعب كانت نتيجتها أن ذبحت أكثر من خمسين من الثيران وقدمت قرابين، وتقدم رجل عجوز من الدنكا واعترف بجريمة قتل كان يخفى خبرها منذ سنين،

ورأيت رجلاً من الدنكا وهو يقف فى حديقته ورأى ثمرة كبيرة من ثمار المانجو أكبر من الحجم العادى فيهلل ويكبر ويأتى بشاة ويدور بها عدة مرات حول شجرة المانجو وينتظر حتى تبول فيذبحها ويسكب دمها على الثمرة ويقطع أذنيها وأطرافها ويعلقها على سارية ويسلخها ويوزع لحمها على جيرانه، ويقدم جلدها لكهنة «نيالاك»، وهو الرب الذى يعبده الدنكا، وينظرون إليه باعتباره خالق الدنيا ومؤسس نظامها.

و«نيالاك» معناها الحرفى «الذى فى السماء» أو «الأعلى»، والقوة الروحية الثانية التى يؤمنون بها هى «دنجديت» صانع الأمطار ولـ«دنجديت» قصة مثيرة، فقد أنزله الله من السماء حيث بعث بالأم المقدسة من سمواته فهبطت على قبيلة أديرو وبطنها حامل والتف حولها القرويون وذبحوا الذبائح والقرابين فرحين مهللين، وابتنوا لها كوخا جميلا، وبعد شهر كانت تضع مولودا ملائكيا له أسنان كأسنان الكبار ويبكى من عينيه دما،

وقالت الأم المقدسة وهى تشير إلى طفلها: سيكون هذا الطفل راعيكم وحامى دياركم، وطلبت منهم أن يقدموا له الشياه والأبقار قرابين فقدموا لها ما طلبت فانشقت السماء عن أمطار غزيرة لم يشهدوا لها مثيلا، ومن ذلك اليوم أطلقوا على الطفل اسم «دنجديت»، المطر الغزير، وعاشوا تحت حكم «دنجديت» سنين طويلة حتى بلغ «دنجديت» سن الشيخوخة ثم اختفى فى عاصفة فلم يُعثر له على أثر، وفى بعض الحكايات أن «دنجديت» مازال حيا وأنه خالد لا يموت وأنه يتنقل بين قبائل الدنكا متلبسا صورة بشرية،

وفى إحدى الأساطير أن «دنجديت» هذا اختلف مع زوجته «أبوك» وأرسل عليها طائرا قطع حبل النجاة بين السماء والأرض، ومن ذلك اليوم والسماء منفصلة عن الأرض، ولـ«دنجديت» معابد كثيرة فى قرى الدنكا، ومعبد «دنجديت» وحدة سكنية عادية تتألف من ثلاثة أكواخ، أحد هذه الأكواخ هو مسكن «دنجديت»، ويقوم عليه اثنان من الكهنة هما الوحيدان اللذان يدخلانه، وفى المعبد مجموعة من الحراب يقال إن «دنجديت» نزل بها من السماء،

ويقال إن من يسرقها يموت أو تقطع يده، وحينما يتقدم واحد من الدنكا بقربان إلى كاهن الـ«دنجديت» ويشكو من عقم زوجته مثلا فإن الكاهن يمهله حتى يرى «دنجديت» فى الحلم وهو فى العادة لا يقبل منه قربانا حتى يأتيه فى الحلم ويعلنه بقبول القربان، وحينئذ يأذن الكاهن بالمثول بقرابينه، وبعد تقديم القربان يمسح الكاهن على رأس الزائر بمسحه من تراب المعبد ثم يدهن جسمه بالزيت المقدس ثم يأخذ محتويات أمعاء الضحية وينثرها على المذبح وأحيانا يقدم الزائر هدية من التبغ مع القربان.

والدنكا يعتقدون أن كل إنسان له روح أو شبح يخرج منه بالموت، ويتجول فى كل مكان، وهو الذى يسبب الأحلام، وحينما يحلم الواحد منهم بأن روح أبيه الميت جائعة فإنه يبادر حينما يستيقظ إلى وضع إناء فيه بعض الدقيق والزيت إلى جوار الباب ليطعم الروح الهائمة.

وأرواح الأجداد ينظر إليها بتقديس وإجلال باعتبارها أرواحا عادية منقذة، وأنت ترى أحدهم حينما يقذف بسهمه فى الماء ليصطاد يهتف قائلا: إيه يا روح أبى الهادئة، وأحيانا حينما يتعرض لخطر داهم يهتف مناديا على روح الطوطم الحيوانى الذى يقدسه: إيه يا روح مارياك، يا روح الثعبان المقدس، قو ذراعى.

والعظماء المختارون تلبسهم الروح العليا وتكون لهم القدرة على كشف الغيب وعلاج المرضى ويطلق عليهم اسم «تيت»، ويذهب أفراد القبيلة لاستشارتهم والدنكا يؤمنون بأثر اللعنة والبركة والأب يبارك ولده بأن يبصق فى يده ويمسح البصاق على رأس ولده وعلى صدره ثم يأخذ من تراب الأرض ويحثوه عليه، والأخ يلعن أخته ويقول لها فى ساعات الغضب: اذهبى لن يكون لك ولد، ملعونة أنتِ وعاقر ما عشتِ فى هذه الدنيا، وهى لعنة لا علاج لها إلا بأن يذبح شاة ويأخذ محتويات أمعائها ويبصق عليها ويدهن صدر أخته وبطنها وهو يقول: اسمعى يا روح أجدادى لقد قلت ما قلته دون أن أعنيه وأنا الآن أتمنى لأختى ولداً جميلاً، وأن تنجب ما تشتهى من الأطفال. والدنكا يؤمنون بأن الإنسان يستطيع أن يضر غيره بمجرد أن يشتهى هذا الضرر بجماع قلبه، وأن الإرادة يمكن أن تقتل كما يقتل السيف دون أن ينتقل صاحبها من مكانه وهم يؤمنون بالقسم.

ورأيت هناك أساليب متبعة فى القسم مثل أن يلعق الرجل مطرقة الحداد وهو يقسم قائلا: لامت وأتحطم بهذه المطرقة إذا كنت أحنث فى قسمى. وساحر الدنكا يدعى أحيانا أنه يستطيع أن يؤخر غروب الشمس وهو فى سبيله إلى ذلك يجمع روث الفيل ويضعه بين الأعشاب فى اتجاه الغرب كمحاولة لإيقاف الشمس وتأخير دورانها.

وصانع الأمطار شخصية مهمة بين الدنكا وهو فى مقام شخصية الملك ويجب ألا يموت موتا طبيعيا حتى لا تحل لعنة الشيخوخة بالقبيلة، وهو حينما يستشعر دنو أجله يطلب أن تحفر له حفرة عميقة ينام فيها على عنجريب من جلد بقرة وحوله المقربون من ذريته وأصحابه ويظل بلا طعام ٢٤ ساعة حتى يفتر تماما فيهيل عليه أصحابه التراب حتى يختنق فيبادرون إلى دفنه، وفى العادة يدفنون معه ثورا أو بقرة ويصبون اللبن على قبره.

وطقوس المطر تبدأ فى نهاية الجفاف من كل عام، وأحيانا يرفض صانع الأمطار القيام بالطقوس ويعتكف فى كوخه، فيقوم كاهن آخر أقل منه مرتبة بالإشراف على الطقوس ويأخذ كوبا مثقوبا مملوءا بالماء ويعلقه على باب الكوخ ثم يدخل وهو يغمغم: يا إلهى، هأنذا أحتمى من المطر فى داخل كوخى، يا له من مطر غزير.

ويحدث فى حالات كثيرة أن تصدق السماء على كلامه فتمطر وكل طائفة من طوائف الدنكا لها حيوان تقدسه وتحرم صيده «طوطم» وتعتبر نفسها منحدرة من سلالته وأحيانا تقدس نباتا أو ظاهرة طبيعية: «الأسد.. الثعبان.. الفيل.. الضبع.. البوم.. التمساح.. الثعلب.. النار.. السحاب.. النهر.. القوقع.. النخيل.. البلح»، وأشجار البامبو كلها طواطم دنكاوية، والدنكاوى الذى يقدس الثعبان حينما يلتقى بثعبان من الفصيلة التى يقدسها يرش على ظهره التراب ليطيب خاطره ولا يتعرض له بسوء، والدنكاوى الذى يقدس الأسد يذبح خروفا ويبعثر لحمه فى الغابة ليأكل الأسد، والدنكاوى الذى يقدس الضبع يقدم الطعام للضباع كما يقدمه لأولاده، وإذا قطع رجل الشجرة التى يقدسها فإنه يموت، وإذا أحرق خشبها فإن دخانها يعمى عينيه،

وهناك حكايات خرافية تُروى عن هذه الطوطمية، فالدنكاوية الذين يعيشون فى خور إدار يحكون عن «اليك» الجميلة التى خرجت من زبد النهر، وكيف أن القرويين الذين عثروا عليها أخذوها فرحين إلى القرية وهناك تبخرت «اليك» وتحولت إلى ماء عند أول لمسة من يد رجل، وحينما ذبح القرويون الذبائح وقدموا القرابين متوسلين إلى الجميلة «اليك» أن تعود سالت مياه «اليك» العطرية وعادت إلى النهر، ومن يومها والقبيلة الدنكاوية تلقى فى النهر بقرة حية مع عجلها الصغير فى موسم المطر قربانا للجميلة «اليك».

وفى قبيلة فاكور يحكون عن «فاكور» الذى خرج من الصغر وكان يحلب العنزات ويشرب كل ما فى ضرعاتها من لبن حتى قبض عليه البطل «أيويل» وحاول «فاكور» الخلاص من قبضة «أيويل» فلم يستطع فتحول إلى سيد قشطة ثم إلى عصفور ثم إلى غزال، ولكن البطل «أيويل» ظل ممسكا به وانفجرت الصخرة التى خرج منها «فاكور» وكان لها دوى هائل، وقدم القرويون بقرة قربانا للصخرة لإرضائها فابتلعتها الصخرة ونزل المطر مدرارا وابتسمت السماء وقبلت ما قدمه القرويون من قرابين، ومازالت السماء إلى الآن تسقط على الأرض هذه الصخور ولكنها الآن لا تزيد على حصوات صغيرة.

وبعض القبائل يعبدون الشهب والنيازك التى تتساقط على الأرض ويقدسونها كالطواطم، والدنكا يطلقون على أبنائهم أسماء حسب المناسبات فيسمى الواحد منهم ابنه «ألوت» أى رطب وبارد لأن ميلاده كان فى موسم الأمطار، أو «أديو» أى الباكى لأن ميلاده صادف حدوث وفاة فى العائلة، أو «كوينير» الذى لا يعرف خاله لأنه ولد فى أثناء خلاف بين أبيه وخاله، وأسماء أخرى مثل الكل يصلى لأن ميلاده حدث بعد فترة طويلة من العقم وبعد أن اشتركت القرية كلها فى الصلاة من أجل ميلاد ابن، وبعض الأسماء تكون أسماء أجداد أو أقرباء أعزاء أو حيوانات مقدسة، كما أنهم يطلقون الأسماء على مواشيهم ويعرفون كل بقرة باسمها.

وعلاقة الدنكاوى بثوره وبقرته أكثر من علاقة إنسان بحيوان، فهو يغنى لها ويحنو عليها ويناديها باسمها ويناجيها فى خلوته ويبلغ من حبه لها أنه يؤثر موت أولاده فى موسم الجفاف جوعا على أن يذبح لهم بقرة من بقراته، وهو يفضل خلفة البنات لأن العرسان يمهرونهن أبقارا، وعادة شج الجبهة ونزع الأسنان الأربع فى الفك الأسفل متبعة فى الدنكا كما فى الشيلوك، ولا يعتبر الدنكاوى رجلا إلا بعد أن تُشج جبهته وتنزع أسنانه، والنساء يسرن حليقات الرؤوس، والرجال يصففون شعورهم ويدهنونها بالصمغ وبول البقر، والموتى يُدفنون وفقا لطقوس وتقاليد خاصة، فالميت يوضع على جنبه الأيمن ويده اليمنى تحت صدغه، وذراعاه وساقاه مثناة مثل الجنين فى بطن أمه، وتحفر له حفرة على باب الكوخ من الجهة اليمنى يدارى فيها ويغطى بجلد بقرة ثم يهال عليه التراب،

ويبقى أقاربه حول الحفرة أربعة أو خمسة أيام نائمين فى العراء، وتحثو النسوة التراب على وجوههن ويندبن، ويذبح ثور ويقدم لروح الميت لترضيته حتى لا يأخذ معه بقية العائلة، وتبنى بالقرب من الحفرة طابية من الطين يرشق فيها ضرنا الضحية وتوضع فى وسطها عصا يتدلى منها حبل البهيمة، إشارة إلى أن القربان تم تقديمه، ويمتنع أهل الميت خمسة أيام عن شرب اللبن، وتطلق النساء شعورهن ولا يحلقنها طوال هذه المدة.

وبعد أن أنهى مرحلة أردنا أن نسأله السؤال الأهم: هل اكتفيت؟ وتكون الإجابة: بالطبع لا، ولو فعلت مثل ما فعلت مائة مرة.. لو حصلت على عمر آخر وخيرونى بين أشياء عديدة فعلتها لاخترت السفر.. الترحال.. إنها كفيلة بأن تزرع بداخلك أى شىء آخر، فالسفر سيعلمك التاريخ، ويعلمك الفن، ويعلمك التجارة واللغات والتعمق فى الدين.

أما الجديد الذى فاجأنا به فيلسوفنا الأكبر مصطفى محمود فى الكلام عنه، فهو الدخول مرة أخرى فى معترك السياسة وآراؤه فيما مرت به مصر فى العصر الذى مرّ به، وهو الذى مرّ بالملكية، وخاصمته الناصرية، وتزوج العصر الساداتى، وما سر السيارة السوداء التى حملت أرقاماً سوداء برقم ( ١)، التى كانت تحمله كل يوم جمعة من كل أسبوع إلى مكان مجهول؟ وهل كان يحتل منصب المستشار السرى للرئيس السادات؟ ولماذا رفض منصب الوزير الذى عرضه عليه؟

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود --رحلاتى بين أقصى الحضارة والبداوة..الحلقــة(١٢)

فتح العالم الكبير والمفكر الجليل الدكتور مصطفى محمود دفاترة ليطلعنا على أهم رحلاته التى مازال يتحدث عنها والتى طاف خلالها العالم وجمع خلالها فكره ومقتنياته النادرة التى مازال يحتفظ بها حتى الآن داخل متحفة الجيولوجى والمائى الموجود فوق سطح مسجده من أحجار وأسماك نادرة والتى جمعها من رحلاته المختلفة لباريس ولندن ولبنان. لقد صور لنا مصطفى محمود كل مظاهر الحياة داخل هذه الدول التى ربما ذهب البعض إليها ولم يستطع التعبير عما تحمله داخلها من معان حقيقية،

وربما يكون البعض لم يذهب إليها حتى الآن. لم يكن يسرد ما شاهده كزائر عادى إنما كان يصور لنا ما شاهده وعايشه بنظر الفيلسوف فقال: فى باريس كنت أقف طويلا أمام هذه الوفرة من الأجسام العارية الموجودة فى كل مكان.. الموجودة على إعلانات القمصان والعطور والدعاية السياسية والأدوية وطوابع البريد الموجودة على مسارح الاستربتيز فى البيجال،

والفرنسيون يشاهدون هذه العروض العارية فى اهتمام، ولكن ليس منبع هذا الاهتمام الحرمان الجنسى أو الفضول لرؤية الأعضاء التناسلية وإنما منبعه فلسفة الجسد العارى والهدف منها اعتياد العين على رؤية الجسد العارى لنقل التفكير من موضوع الإثارة الغريزية إلى موضوع التأمل الذهنى البحت فى كل ما يمكن أن يرى فى الجسد العارى.

ولم أشاهد فى باريس هذا النوع من الفن فقط بل كان هناك المسرح الجاد وعشرات المتاحف التى تعرض آثارنا الفرعونية بذوق وجمال وقرأت فيها أيضا صحفا جادة. وكما رأيت الباريسى يسكر طيلة الليل فى رأس السنة فهو نفسه الذى يعمل بيده وأسنانه طيلة العام وفيها أيضا أتوبيسات قديمة ولكنها تسير بحالة جيدة نتيجة الإشراف والصيانة الدائمة لها.

ولا يمكن أن أترك رحلتى فى باريس لأنتقل إلى رحلة فى دولة أخرى قبل أن أتكلم عن أهم ما شاهدته من روايات مجسدة على المسرح فى باريس، حيث إن الفترة التى زرت فيها باريس كانت تتكلم عن الله والإنسان، فكتاب المسرح قدموا من خلال أعمالهم أن الله فى إجازة ولا أحد يرعانا فى السماء، فشاهدت مسرحية «مقبرة العربات» للمؤلف الإسبانى «ارابال»،

حيث كان الديكور الذى لم يتغير طوال العرض هو خرابة قذرة تتراكم بها العربات القديمة ثم نفهم أن ما نراه هو لوكاندة وصاحبها يؤجر غرفها ويستغل زوجته بأن تضاجع نزلاء اللوكاندة عند اللزوم وإذا رفضت يضربها ويلقى بها فى الغرفة لتعود له بأجر مضاعف.

ويلاحظ أن ممارسة الجنس فى هذه الخرابة هى وسيلة لقتل الوقت أو استعراض القوة فى إذلال الرجل للمرأة أو العكس، لا أحد يمارس الجنس للحب واللهو حتى يظهر المسيح وهو عصرى جدا فهو يمارس الجنس مع زوجة صاحب اللوكاندة ونعرف أنه يفعل هذا لأنه يحبها وأنه الوحيد الذى يمارس الجنس من أجل الحب ويتآمر عليه الرجال لأنه سيفسد عليهم حياتهم السهلة، ويبلغون البوليس ويصلبونه وبالطبع كان جميع أبطال المسرحية عراة تماما.

كما شاهدت فى السينما فيلما يحمل اسم «نهاية الأسبوع» لجودار وكان محاولة شديدة التطرف.. يبدأ الفيلم بحوار بين زوجين وتعتذر عن الخروج معه لأنها مريضة ونفهم بعد ذلك أنها كذبت لأنها تريد أن تلتقى بعشيقها ونرى أن الزوج استفاد من الفرصة فذهب إلى عشيقته، ثم تذهب الكاميرا إلى بيت العشيق ونرى الزوجة عارية ملط وتحكى للعشيق اعترافات مفصلة،

حينما تم تبادل الزوجات بين زوجها وصديقه وكيف ضاجعها صديق زوجها، ثم تنتقل الكاميرا إلى اليوم الجديد وهو نهاية الأسبوع والزوج والزوجة يستقلان سيارتهما فى الطريق إلى الأم فى الريف، والطريق الريفى مزدحم وفية مئات السيارات بسبب حادث وكل صاحب عربة يلعن ويسب، لا أحد يفكر إلا فى نفسه وفى الوصول إلى هدفه قبل الآخرين وينفتح الطريق لنرى حوادث تصادم بشعة راح ضحيتها شباب وبنات وأطفال قتلى على جانبى الطريق ولا أحد يتوقف ليرى وانما تمر السيارات مسرعة، ولكن المأساة لم تنته، فعلى جانبى الطريق عربات محطمة محترقة وحوادث وقتلى..

ونفهم من هذا أن المؤلف يرمز إلى النيران المشتعلة على الجانبين فى فيتنام والكونغو ونيجيريا والشرق الأوسط، بينما فى أوروبا القبلات على الأرصفة ويقضون إجازة نهاية الأسبوع. ثم يفاجأ الزوجان بقاطع طريق يقطع طريقهما ثم يقفز فى هدوء إلى داخل العربة ويقول للزوجين إنه الله وإنه يريد الذهاب إلى لندن وينظر الزوجان إليه فى سخرية ولكن يرفع الرجل يده إلى السماء ويبسطها فإذا بها أرنب، ويقول إنه مستعد أن يجيب لهما أى طلب،

ويطلب الزوج بعد تفكير عربية مرسيدس موديل العام وتطلب الزوجة فستان سواريه ويصرخ الله فى ازدراء: «ولكنك يا رجل تملك سيارة مرسيدس موديل العام السابق وأنت يا امراة لديك خمسون فستان سواريه» ويستعجب بقوله: هل تلتقيان بالله وتطلبان مثل هذه المطالب البرجوازية، بصراحة يا بشر أنا أستحقركم جدا، ويقفز نازلا من السيارة ويصرخ الزوجان: إننا نشك فى أمرك أحدث لنا معجزة.. فيجيب الله وهو يختفى: «أنتما أحقر من أن أثبت لكما وجودى»، ويريد أن يقول الفيلم إن أوروبا تعيش فى عالم بلا إله وبلا أمل وأنها على حافة الهاوية.

كما شغلنى عالم الأرواح وحاولت أن أتعرف عليه كنوع من الفضول عن طريق حضور جلسات تحضير الأرواح ولأننى أيضا أرفض المسلمات فى هذا الجانب وأريد أن أتعرف على أسراره وكانت حالة من الفكاهة الشديدة عندما علمت أننا فى مصر لسنا الوحيدين المهتمين بهذا النوع الذى ربما يكون علما،

ووجدت أن فى لندن مبنى أنيقا من طابقين، فى الطابق السفلى مكتبة الأرواح التى تحتوى على كل كتب تحضير الأرواح والتعرف عليها وترجمة لكل الكتب السماوية بما فيها القرآن، وعرفت من إحدى السيدات الموجودات بالمبنى أن هناك محاضرات يومية عن المشكلات الروحية، وعروضا خاصة يقدمها الدراويش الإنجليز دون وسطاء،

وكنت مسرورا جدا لأنى سأرى الدراويش الليلة، الذين اعتدت أن أراهم أمام مقام السيد البدوى بطنطا أو السيدة زينب أو مسجد الحسين بالقاهرة، ولكن سيكونون دراويش إنجليز. وحضرت فى موعد المحاضرة ووجدت أن الكثير من الحاضرين سيدات فى أعمار الشيخوخة وبالتالى من السهولة التأثير عليهم،

كما وجدت أن سيدة هى التى ستقوم بدور الدرويش وعلمت أن هذا هو التجديد من الأجانب، فعندنا الرجال وعندهم النساء هو صراع الرجل والمرأة والمنافسة على إثبات نفسها حتى لو فى مجال العمل الروحانى. وبدأت الجلسة بقراءة ابتهالات وصلوات، والغريب أننى عرفت أنها هى التى تختار من يسألونها وأيقنت أنها لابد أن تكون نصابة فبالطبع من ستسأل أتباعها المنتشرين بين الناس داخل القاعة وعلى الفور وقفت لانصرف ولكن سألتنى إحدى السيدات عن سبب انصرافى فقلت لها: عندنا فى مصر مئات الدراويش يستطيعون أن يصنعوا أشياء أعظم من هذا..

فقالت: لماذا لا يحضرون إلينا.. فقلت لها: فعلا لابد أن نصدر لكم دراويش الحسين والسيدة زينب. وأيقنت فى هذا الوقت أننا لا نستطيع أن نصدر غير الدراويش فهم أصبحوا فى مصر أعدادا كبيرة جدا. أما عن أيامى فى لبنان «بيروت» باريس الشرق الأوسط فتعلمت منها الكثير، فلبنان هى دولة لا تمتلك البترول ولكن تمتلك الجمال الفتان الذى يجبر الناس على زيارتها ووجدت أن فى لبنان الكباريهات منتشرة فى كل مكان تكاد تكون فى كل شارع فكباريهات فوق الأرض وتحت الأرض وفوق الأسطح وفى خنادق وعندما زرتها كان الفن والمسرح والسينما غير موجودين بالمرة وذلك لأن الفن يحتاج إلى مجهود عالى ومعرض للنجاح أو الفشل والإذاعة والتليفزيون وسيلة إعلانية فقط ولكن أخطر ما وجدته داخل لبنان هذه البلد التى يتمتع أهلها بالطيبة الفائقة أنها بانتمائها إلى كيان عربى كبير تجد نسبها وكرامتها وعروبتها فلا يمكن أن تعيش لبنان زوجة للكل ولا يمكن أن تعيش لقيطة يكتب كتابها بالفرنسية ويكتب شعرائها بالاتينية أن طلاقها من عروبتها لن يضمها إلى العالم ولن يجعل مواطنها عالميا.

ثم ضحك كثيرا وهو يقول.. ما نشاهده فى بلاد الغرب من غرائب السلوك ومعتقدات متفتحة لا يتقبلها مجتمعنا الشرقى بسهولة ربما يكون أفضل بكثير مما يحدث بين قبائل الغابات الاستوائية وفى أفريقيا وفى صحراء السودان، فقد سافرت للكثير منها، وهنا أتذكر جيدا ما شاهدته داخل قبيلة الشيلوك من عادات ومعتقدات،

ووصف لنا ملامح النساء والرجال والأطفال والمنازل، وهذا ربما يدعونى أو يدعو القراء إلى حمد الله على نعمة المدنية التى نعيشها والتحضر الذى يفوق هذه القبائل التى مازالت موجودة حتى الآن بآلاف السنين.. ولكنه يجعلنا نرى، وبوضوح، الصورة التى يصورها لنا الغرب، فهذه نفس الصورة فهم يضعوننا فى نفس موضع هذه القبائل ولكن بعيدا عن تصورات الغرب والشرق التى لن تتغير إلا بمعجزات إنسانية وليست ربانية فقط،

قال: فى قبيلة «الشيلوك» كانت الباخرة تسير ببطء كأنها سلحفاة تمشى على بطنها وأنا مغمى علىّ من فرط الحرارة فى علبة السردين التى أنام فيها والمروحة تزنّ على رأسى بلا جدوى، ولا أجرؤ على أن أفتح باباً أو شباكاً فأسراب البعوض تحوم فى أفواج كثيفة فى الخارج، ولا أكاد أتخيل أن أخرج أصبعا حتى لا تهجم عليها فى وحشية وكلها من بعوض الأنوفيل حامل الملاريا،

وكانت الملاريا قد بدأت تكتسح المركب، فالريس حرارته ٤٠، واثنان من البحارة يعانيان رجفة الحمى وكنت أفتح عينى بين لحظة وأخرى وأنا فى ضباب النوم فأرى جزائر من النور تسبح طائرة على جانبى السفينة وكنت أتساءل: هل أهذى أنا الآخر؟ وأفرك عينى وأحملق حولى جيدا مازالت هناك تلك الجزائر من النور بالفعل، إنى لا أحلم، إنها جزائر من نباتات الهياسنث سابحة فى التيار تضيئها أنوار الباخرة على الجانبين،

وقد كان قمر خط الاستواء يبدو شاحبا يغلفه الضباب والبخار، وخطر لى أن أصعد على سطح الباخرة لأشاهد الطبيعة فى تلك الساعة من الليل، ودهنت وجهى وأطرافى بطارد البعوض وخرجت ألتمس الهواء، ولم يكن ثمة هواء وإنما رطوبة راكدة تتكثف على الأهداب وعلى الجلد وهواء ثقيل له ضغط، ولم تكن الطبيعة نائمة كما تصورت وإنما كانت صاخبة جياشة بالحركة والحياة، أسراب الفيلة تملأ المراعى وتماسيح النيل الضخمة تمرح حول الباخرة وقطعان سيد قشطة تستحم،

وآلاف الكروانات والبلابل والعصافير والنسور والطيور الملونة تحلق على ارتفاعات قليلة، وجيوش الحباحب المضيئة تلمع كسنون الإبر فى الظلام، وحرب الطبيعة ناشبة على أشدها: الحباحب تأكل البعوض والضفدع يأكل الاثنين، والأسماك تأكل الكل، ثم يذهب الجميع فى جوف التمساح فى صمت، على حين يطل القمر شاحبا يغلفه الضباب والبخار، ومن وقت لآخر يرشق الهدهد منقاره فى الطين ليخرج بدودة كبيرة،

ويغطس طائر اللقلق فى الماء ليخرج وفى فمه سمكة، وترتفع هامات السفانا العالية وأشجار البردى وسيقان الهياسنث على الشطآن لتحجب ما يجرى فى الداخل، لا يندو عنها صوت إلا حينما يتخللها ثعبان فيخشخش بين أوراقها وهو يسعى ليرد الماء أو يتمطأ فيل فتهوى كتل من هذه النباتات المتشابكة،

وتتفتت ويجرفها التيار فى جزائر عائمة صغيرة تنعكس عليها أضواء الباخرة فتلمع فى الظلمة كل صنوف الحياة كان يبدو عليها الانتعاش فى هذا الجو الساخن فهى تتلاقح وتتوالد وتتكاثر وتأكل بعضها وتنقنق وتزقزق وتقشقش وتفح وتنبح وتعوى وتملأ المستنقعات اللزجة وتشرب مياهها الراكدة فى شهية كالحساء وتنمو وتبلغ أحجاما عملاقة، أشجار الأدليب كانت تصطف فى طوابير شاهقة الطول على الجانبين وثمار الأدليب كانت تتساقط فى الماء كل ثمرة فى حجم البطيخة،

وهى من فصيلة الدوم وأشجار البردى كانت تنمو فى وحشية حتى تسد الأفق، التماسيح كانت تشق الماء شهباء اللون كالحة ضخمة كالبوارج الحربية، كانت هذه البيئة الساخنة هى البيئة المختارة لهذه الفصائل من النباتات والحيوانات. شىء واحد لم يكن يظهر إلا نادراً فى هذه المتاهات الاستوائية الشاسعة هو الإنسان، كل بضعة أميال كان يظهر واحد أو اثنان أو ثلاثة من الزنوج عراة، يحملون الحراب، وكلهم من قبيلة «الشيلوك»،والشيلوك والدنكا والنوير هى القبائل التى يلقاها المسافر فى هذه المنطقة من النيل بين كوستى وملكال وبور وجوبا، وزنوج هذه القبائل يسيرون عرايا وأحيانا كنت أجد الواحد منهم «عريانا ملط» كيوم ولدته أمه و«لابس كرافتة» وهم ينظرون إلى المدنية بهذه الطريقة من التريقة، فالثياب فى نظرهم مجرد تقليعة بلا وظائف، مجرد زوائد لا معنى لها، كزر الطربوش،

ومعظمنا كنا قد بدأنا نعتنق هذه الفلسفة فقد كنا نسير على سطح المركب ءنصاف عرايا لا فرق بيننا وبين الشيلوك إلا نصف متر الدبلان الذى يقتضيه الحياء التقليدى، ولكن الشيلوك لم يكونوا رواداً فى مسألة الثياب وحدها ولكنهم كانوا روادا فى كل ما هو بدائى، وكانوا يرفضون بشدة كل ما هو مدنية ويتمسكون بكبريائهم وتقاليدهم، وكانت ديانتهم وحدانية، فهم يؤمنون بإله واحد يسمونه «جوك»،

ولكن فهمهم لهذا الإله الواحد غامض ومضطرب فهو فى نظرهم خفى وموجود فى كل مكان وخالق للسماء، ولكن مشيئته لا تنفذ إلا عن طريق نياكانج وهو ملك الشيلوك القديم الذى أنشأ هذه القبيلة، وهو فى اعتقادهم لم يمت وإنما تحول إلى ريح واختفى ثم حلت فيه روح «جوك» وأصبح ممثلا لمشيئته على الأرض،

ولهذا فهم يصلون له ويقيمون له المعابد ويقدمون له القرابين ونياكانج متصل اتصالا يوميا بحياة الشيلوك، أما جوك أو الله فهو شىء مجرد وبعيد ومتصل أكثر بالكون كله، ومعابد النياكانج هى وحدات سكنية عادية يعتقد الشيلوك أن روح النياكانج تسكنها، وتتألف الوحدة من خمسة أو ستة أكواخ، مثل أكواخ السكن العادية التى يسكنها الشيلوك، مع فارق أنها أكثر اتساعا ونظافة، ويقوم على خدمتها كهنة من عجائز الشيلوك ومعهم زوجاتهم الطاعنات فى السن، ومحرم دخول هذه المعابد لأى فرد من أفراد الشعب فيما عدا هؤلاء الكهنة،

وعلى من يدخلها من النساء أو الرجال أن يكون صائما صياما تاما عن العلاقة الزوجية، والكوخ الأول من هذه الأكواخ يخصص لنزول روح نياكانج وفيه توضع أسلحته وأدواته وقيثارته وطبوله وجلود قرابينه، وعلى بابه تغرس قرون الأضاحى التى قدمت له، والكوخ الثانى يخصص للماشية التى تخص المعبد، والثالث لتخزين الحبوب وتخمير المشروبات، والرابع للكهنة والخدم والعبيد،

والخامس لتقضى فيه روح نياكانج حاجاته وتستحم وتتبول، والسادس لنزول روح نيكايا والدة نياكانج ويرتل الكهنة فى صلواتهم قائلين: «يا إلهنا نجنا، بيدك وحدك نجاتنا، أنت تملك السماء والأرض والنجوم، وبمساعدة نياكانج تقوى أذرعتنا عند الحرب وتحفظ لنا ماشيتنا وتبعد عنا المرض والجوع، كل أبقارنا مبذولة من أجلك، وكل دمائنا فداؤك». وهم يذبحون الثيران التى تقدم قرابين ويأكلون لحومها ويرمون بعظامها فى النهر، أما الأبقار فيحفظونها فى حظيرة المواشى بالمعبد.

وأهم الطقوس الدينية طقوس المطر وطقوس الحصاد، وفى يوم الاحتفال بطقوس المطر تدق الطبول فى ساحة المعبد التى تكنس وتنظف للمناسبة، ويجتمع الشباب للرقص بالحراب والسيوف والغناء لروح نياكانج، ثم يؤتى بثور القربان ويضع الكاهن فى كفه بعضا من ماء النهر ويبصق فيه ثم يرش به الثور ثم يطعنه طعنة نافذة فى أعلى الفخذ ويتركه ليدور فى الساحة حتى يخر ميتا،

وهم يستبشرون إذا اتجه الثور المحتضر إلى النهر أو إلى كوخ نياكانج ويحتفظ الكهنة بالرأس والسيقان والأحشاء ليأكلوها، ويلقون بالعظام فى النهر، ويعتقد الشيلوك أن روح نياكانج يمكن أن تحل فى عديد من الحيوانات مثل الزراف والثعبان وطائر الأكاك،

وحينما يرى الشيلوكى فراشة تقف على باب المعبد يصرخ هاتفا: «هذه روح نياكانج»، وأى شجرة تنبت بالقرب من معبد نياكانج تقدس ولا تمس ويعتقد أنها من أخشاب مقبرة نياكانج. وصيد التماسيح محرم لأن الشائع أن روح نيكايا أم نياكانج تحل فيها، وهم يعتقدون أن روح نيكايا تعيش فى الماء ولذلك يلقون بالشاة التى يقدمونها قربانا لروحها وهى حية ومقيدة من أرجلها فى الماء،

وكل ملوك الشيلوك مقدسون على مثال نياكانج ولذلك فهم يدفنون وتقام لهم معابد، ولكن تكون أصغر حجما، والموتى من الأجداد يعاملون معاملة الملوك ويعتقد أن فيهم روح جوك وأنهم على اتصال بالله، وأرواح الأجداد لا تنفصل فى ديانة الشيلوك عن أرواح الملوك أو روح نياكانج أو روح جو،

ويتشاءم الشيلوك من الملك الذى يطعن فى السن ويقعده المرض، ويعتقدون أن ما يصيب الملك من مرض وشيخوخة لا يلبث أن يحل بالقبيلة كلها وكانوا فى الماضى يقتلونه والقرابين البشرية غير مألوفة عند الشيلوك ولكنها كانت تقدم فى أحوال نادرة عندما تفشل الطقوس العادية فى استدرار المطر.

مذكرات المفكر الكبير د.مصطفى محمود --الحلقه الحادية عشرة..رحلاتى.. سوَّاح فى دنيا الله

مازلنا نفهم الشرف فى بلادنا الشرقية بمفهوم ضيق جداً فالشرف عندنا هو صيانة الأعضاء التناسلية ونحاول أن نحكم على الشعوب بنفس المستوى فباريس داعرة لأنها تتبادل القبلات فى الشوارع وإنجلترا انهارت لأن الرجال أطالوا شعورهم ولندن هى الشذوذ الجنسى ولكن الحقيقة أن الشرف أكبر من هذا فهو شرف الكلمة.. شرف العمل والمسؤولية

مصطفى محمود

الوصول إلى اليقين أخذ الكثير من العمر.. نصف عمره تائه والنصف الآخر يبحث عن الحقيقه.. هل انعزل داخل حجرة مغلقة وظل يفكر.. وفقط، مثلما فعل أسلافه فى التاريخ البعيد.. الإمام أبوحامد الغزالى مثلا، أو جان جاك روسو؟ بالتأكيد لا؛ فالحقيقة فى هذا العصر الحديث تحتاج إلى ما هو أكثر من التفكير المجرد.. تحتاج إلى التجربة.. والمشاهدة.

مصطفى محمود أكد أكثر من مرة أن المسيخ الدجال ظهر بالفعل متمثلاً فى الوحش المسمى بالعولمة والذى أكل الأخضر واليابس فى طريقه ولم يترك دولة إلا واحتلها اقتصاديا أو ضمها إلى أملاك الشيطان الكبير مخترع العولمة.. وكان يحدث نفسه دائما: فى مثل هذا العصر المخيف هل يصح أن أعرف ما أعرفه من صفحات الكتب فقط؟

تحدث المفكر الكبير مصطفى محمود، وهو ينظر إلى مجموعة من الصور التقطت له فى مشارق الأرض ومغاربها، وقال: لا أستطيع أن أجزم بأننى مازلت أتذكر كل شىء عنها رغم أنها حصلت على نصيب كبير من عمرى فاستغرقت أكثر من ٤٠ عاماً أتنقل بين بلاد الله بحثاً عن الجديد.. بعد أن تعرفت على ما كان متاحاً لى داخل مصر والوطن العربى، وفى هذه الرحلات كانت نقاط التحول فى فكرى وحياتى وهى التى سأرويها هنا.

البداية كانت عندما كانت الرحلة والسفر من أهم الأشياء فى حياتى منذ مولدى وحتى الآن.. أتذكر عندما كان أبى يقول لى ولأخوتى إن الناجح وصاحب الدرجات الأكثر فى المدرسة سيحظى برحلة إلى القناطر الخيرية.. كنت أعيش أيامى أحلم بالرحلة وأتخيل ما يمكن أن أراه فيها وما يمكن أن أحمله معى وأنا عائد منها، ولذلك كنت أصنع المراكب الورق وأتخيل أننى سأفرت على ظهرها للهند وكما تعودت منذ الصغر أنه لابد من تحقيق أحلامى مهما كانت صعبة ومهما طال الزمن..

حتى لو كان السير على الأقدام من جنوب أفريقيا إلى القاهره.. وهو الحلم الذى طالما راودنى منذ الطفولة وقد تحقق حين أصبحت صحفيا فى روزاليوسف، وعلمت أننى ضمن الوفد المسافر لحضور مؤتمر آسيوى أفريقى فى تنجانيقا- تنزانيا حالياً- عام ١٩٦٢ وعندما علمت بخبر اختيارى ضمن الوفد كدت أن أغيب عن الوعى من الفرحة.

لم تكن سعادتى بالسفر لأنى سأصبح نزيل فندق خمس نجوم أو سأتمتع بمجموعة من الفسح والتسوق ولكن كانت سعادتى لأننى أخيرا سأحقق جزءا كبيرا ومهما من رحلة البحث عن الإيمان واليقين من أكثر البقاع التى لم تدنسها بشرية أو حضارة زائفة أو عولمة من الغابات والصحراء والطبيعة..

وعلى الفور توجهت لاستخراج تأشيرات السفر وحدث أطرف موقف فى حياتى أظهر لى مدى سوء الحظ عندما قابلتنى الصعوبات فى استخراج تصاريح السفر وعرقلوا سفرى بطرق كثيرة.. واكتشفت أن السبب أن هناك ضابطاً عسكرياً يحمل نفس اسمى ممنوع من السفر بأمر السلطات وكان مثل هذا الأمر يحتاج أيام عبدالناصر إلى بحث وتحريات حتى يتوصلوا إلى أننى لست هذا الشخص الممنوع من السفر وكم تمنيت كثيرا فى هذه الأيام أن أغير أحد الشيئين.. اسمى أو النظام.

وعندما حلت مشكلة التصاريح فوجئت بشح فى العملة الصعبة.. التى أحتاجها لمواجهة متطلبات الرحلة وإن أسعفتنى ذاكرتى فهو لم يكن مبلغاً من المال يزيد على عشرة جنيهات ورغم كل هذه الصعوبات إلا أننى استطعت أن أتغلب عليها وسافرت وغمرتنى السعادة لدرجة جعلتنى أنسى كل المتاعب التى صادفتها قبل السفر وما إن وضعت قدمى فى أفريقيا حتى انطلقت لأحقق ما أصبو إليه.. التنقيب عن أسرار أفريقيا..

فلم أطق الجلوس ولو دقيقة واحدة داخل الفندق وفى «تنجانيقا» صعدت جبل «كليمنجارو» ذلك الجبل الغريب الذى تتوافر فيه جميع فصول العام فحتى الثلوج تجدها فوق هذا الجبل وكلما صعدت تدريجيا تتغير أنواع النباتات التى تقابلك، فهذا الجبل فى حد ذاته يمثل متحفا من الطبيعة الرائعة، ولم أنس أننى يجب عند عودتى أن أكون محملا بكم من الصخور الطبيعة النادرة والأعشاب وهذا ما حدث بعد ذلك..

وكانت سعادتى كبيرة لأننى لم أصرف مليما من الجنيهات أثناء فترة انعقاد المؤتمر فقد تكفل المؤتمر بكل مصاريف الإقامة والمأكل والمشرب وما إن انتهى المؤتمر واستعد الجميع للعودة إلى مصر حتى فوجئوا بى أقول لهم «ترجعون إلى مصر بالسلامة».. وصرخ يوسف السباعى، الذى كان سكرتير المؤتمر الآسيوى الأفريقى، «ليه أنت مش راجع معانا ولا إيه».. فقلت له «لا راجع لكن مش بالطياره.. أنا هاروح مشى على رجلى»، واعتبرها مزاحاً وضحكاً، وضحك الجميع معه ولكنه تعجب عندما تأكد من أننى لا أمزح فقال «أنت اتجننت» ولكنى قلت له هذه فرصة العمر فلن أضيعها.

اتجهت إلى جنوب السودان وأتذكر أننى قوبلت بحفاوة وتقدير فى كل مكان أذهب إليه وقابلت عددا كبيرا جدا يقولون بأنهم من قرائى والمعجبين بكتاباتى فقد اتضح أن مجلة صباح الخير تصل إليهم وتلقى رواجا كبيرا بينهم ولهذا ظلت الجنيهات التى خرجت بها من مصر كما هى لم تنقص مليما وهذا لكرم القراء فى السودان الذين أقاموا لى ولائم ونحروا الذبائح احتفالا بوصولى.

ووصلت إلى «جوبا» فى جنوب السودان ومنها إلى الأحراش وهناك عشت ثلاثة أشهر من أفضل أيام حياتى بين أبناء قبيلة «نم نم» أو «نيام نيام» التى يعيش أهلها عراة تماما إلا من ورقة توت.. استضافنى زعيم القبيلة وكان يجيد الإنجليزية لتعامله مع الاستعمار الإنجليزى، والغريب بل الكارثة والفاجعة أنه كان متزوجا من خمسين سيدة يسكنون فى خيام متجاورة وعرض على أن أتزوج أربعا من بناته وعلى الفور أصابنى الرعب من هذا المأزق ولم أستطع الخروج منه.. ماذا سأقول لزوجتى سامية فى مصر «دى كانت تتجنن وتقتلنى»..

فضحك زعيم القبيلة عندما سمع منى هذا الكلام وأكد لى أن الرجل عندهم لا يعمل وغير ملزم بالإنفاق على المنزل أو الزوجة ولكن المرأة التى تقوم بالعمل والإنفاق عليه وكانت دهشتى بالغة حين رأيت بعينى الرجل فى هذه القبيلة يقتصر دوره على الجلوس تحت شجرة ليدخن ويأكل ويشرب بينما نساؤه يعملن لتوفير كل متطلباته ولم يكن غريباً ما سمعته وشاهدته بأن المرأة هى التى تطلب من زوجها أن يتزوج عليها لكى تجد من يساعدها فى العمل كما أن الجنس منتشر فى هذه القبيلة بشكل كبير فالمضاجعة دون زواج مباحة ولكن بشرط ألا تحمل الفتاة فإذا حملت تقدم هى وعشيقها أمام محكمة القبيلة وتكون الفضيحة والعار لها ولأبنائها من بعدها.

كما أننى شاهدت الحملات التبشيرية حيث يأتى المبشر المسيحى وهو مؤهل على المستوى الشخصى لجذب اهتمامات هذه الشعوب ففى الغالب يكون طبيبا بشريا وبيطريا وخبيرا فى الزراعة فيستطيع علاج البشر والحيوانات ويساعدهم فى الزراعة وكل ذلك من أجل أن يكسب ثقتهم ويصبح من السهل عليه جذب هؤلاء من القبائل البدائية إلى المسيحية وكانت هذه القبائل ترفض المسيحية وتقبل الإسلام لتعدد الزوجات، وذات مرة قالوا للمبشر كيف يمكن لداود أن يتزوج من مائة سيدة وسليمان ألف سيدة وأنت تريدنا أن نتزوج امرأة واحدة فقط، وحضرت محاضرة دينية بين المبشر وأبناء القبيلة يعرض من خلالها دينه فكان يقول إن الرب أمرنا بأن نبتعد عن السرقة والزنى، ولكن قال أحد رجال القبيلة، الإنجليز هم اللصوص الحقيقيون فقد سرقوا الأبنوس وثرواتنا ومناجمنا وحملوها على المراكب إلى بلادهم اذهب وانصحهم واتركنا فنحن عراة ولا يوجد علينا ما يسترنا غير ورقة توت، كانوا أذكياء رغم بساطة معيشتهم.

كانت رحلتى بالصحراء الكبرى هى أطول الرحلات التى قضيتها فى حياتى فقد استغرقت شهورا عديدة التقيت خلالها بقبيلة «الطوارق» التى قابلت فيها سيدة عمرها فوق الـ٨٥ عاما ورغم أن الإسلام لم يصل إلى جزء كبير من هذه القبائل إلا أنهم جميعا كانوا يحفظون القرآن كاملاً، رغم أنهم وثنيون، ولكن من الغريب أنهم حين يأتيهم الموت يرفعون إصبعا واحدا إمعانا وإشارة إلى الخالق الواحد القهار.

ومن غرائب هذه القبيلة أن الرجال فيها منقبون «ملثمون» والنساء متبرجات وهذا ما استوقفنى كثيرا أفكر فى الأمر محاولا أن أجد تفسيرا منطقيا لما يفعلون، وسمعت الكثير وكان ضمن ما سمعت أن الرجال دائما فى الصحراء يسفون الرمال ولكن المرأة لاتخرج من بيتها. لكن اكتشفت أن ديانات هذه القبائل تعتبر الفم عورة لأنه مصدر خروج الخير والشر والرجال فى الطوارق يفتخرون بأنهم ظلوا مع زوجاتهم طوال أربعين أو خمسين عاما ولم تر فمه أو تقول الزوجة: لقد عشت مع زوجى أربعين أو خمسين عاما ولم أر فمه.

وعندما ذهبت إلى مدينة «غدامس» الليبية فى قلب الصحراء تعرضت لدرجات حرارة شديدة ومختلفة وهذا ما كان يصيبنى بالبرد دائما وكنت أخاف بشدة من العقارب السامة والثعابين والحشرات التى يمكن بلدغة بسيطة منها أن أموت قبل أن يتم إسعافى، ففى الغالب معظم هذه القبائل تعيش بعيدة عن المدن والقرى التى يوجد بها المستشفيات وإن وجدت عندهم فتكون بدون استعداد كاف.

دخلت «غدامس» الإسلام تحت قيادة عقبة بن نافع وتحول جزء كبير منها إلى الإسلام وكان يثيرنى ويدعونى إلى التفكير كيف سافر الفاتحون الأوائل إلى الصحراء حفاة عراة من أجل هدف عظيم وسام وأى طاقة أطلقتها كلمات القرآن فى هؤلاء الناس. أكثر ما أسعدنى فى «غدامس» قبل أن أنتقل إلى قبيلة الطوارق لأعيش فى خيمهم هو ذلك الفندق الوحيد الموجود والعتيق وتلك الغرفة التى نزلت فيها التى قيل لى إن المارشال «بالبو» سكنها من قبل وأن «صوفيا لورين» كانت هذه غرفتها أيام تصوير فيلم «الخيمة السوداء».

أما رحلتى إلى الهند فكانت أكثر رحلاتى متعة بعدما شاهدت عن قرب كل هذا الكم الهائل من الديانات.. الهنود مختلفون فى كل شىء حتى فى صناعة أطعمتهم المليئة بالشطة والتى كان يصعب على تناولها لأنها تصيبنى بالتهابات معوية حادة.

وفى ذات يوم وأنا أتجول فى شوارع دلهى مع فوج من الأصدقاء المصريين والهنود والعرب شد انتباهى وأسرنى ذلك الرجل الذى رأيته أول مرة فى أحد شوارع دلهى عاصمة الهند، والذى كان نقطة تحول فى حياتى بعد ذلك، وهو يجلس فى حالة ثبات ويرتفع فى الهواء بلا مساعدة من أحد وبالفعل بهرتنى قدرته العجيبة على التحكم فى ذاته، وبهرنى أكثر عندما سمعت قصته فهو «براهما واجيوارا» كان يعيش طفولة مرفهة وجميلة داخل قصر كبير وتلقى تعليمه فى إنجلترا بجوار أبناء الملوك والأمراء وهو يتحدث الإنجليزية ويحيط بالفلسفة الغربية وآدابها وعضو فى جمعية مارلبون الروحية بلندن، ولكنه عاد إلى الهند ليخلع البدلة الأنيقة ويهجر بيته وزوجته وأبناءه ويهيم فى الجبال والغابات حافيا عاريا لا تستر جسده إلا خرقة قصيرة وقديمة».

استطعت أن أصل إليه عن طريق صديق هندى قديم ودخلت إليه داخل الكهف الذى يعيش به فى أحد الجبال وعندما قابلته رحب بى وأعطانى بعض الحبوب المملحة لأتناولها وأراد أن يملأ لى جرة من الماء فنزل سلالم بئر داخل الكهف حتى استقر فى قاع بئر الماء وسكنت حركته تماما ولم يخرج منها إلا بعد ٤٥ دقيقة كنت خلالها أصرخ فى صديقى الهندى لنحاول أن ننقذ الرجل ولكنه كان يضحك ويقول هذه أشياء بسيطة بالنسبة له، وجلس براهما يتمتم بقراءة آيات من الإنجيل والتوراة ثم من كتب البوذية بعد أن أعطانى جرة الماء وقال اشرب فإنى أنزل للحصول على الماء الطاهر من قاع البئر، وقبل سفرى إلى القاهرة ذهبت إليه أرتجف خوفاً من الدنيا ومن الآخرة، ولكنه مسح بيده على رأسى وأعطانى منديلاً به صرة ملح وسافرت عائداً إلى مصر وأنا على يقين بأن السماء بالقرب من الله أفضل من الحياة بالقرب من الناس.

وبعد الهند ذهبت إلى ألمانيا التى لا أستطيع أن أنسى ما قضيته من ليال فى كباريهاتها المحترمة، وألمانيا بلاد مهذبة جدا وأهم ما بها هو الورش والمصانع، فكنت أنام على مصنع وأستيقظ على ورشة، حتى شعرت بالملل فقلت لأحد أصدقائى الألمان أليس عندكم «ملاهى» أو كازينوهات واصطحبنى يوم الإجازة لأحد الكباريهات ليست كالموجودة فى مصر ولكن كل من كانوا داخله من العجائز، وجلست أشاهد الاستعراض وأصغى إلى موسيقى فاترة حالمة ففى ألمانيا الكباريهات محترمة وفى أحد الأيام تجولت وحدى لأشاهد ألمانيا بنظرة باحث وعرفت أن هناك شوارع مخصصة للفجور والدعارة والكباريهات المنحطة، وعندما ذهبت إلى هناك عرفت أن هذه الشوارع موجودة من أجل تلبية رغبات السياح وبعد تجولى داخل الشارع عرفت أننى لا أتفرج على ألمانيا بل أتفرج على نفسى وعلى الصورة التى فى ذهن الألمان عنى وعن السياح.

وفى هامبورج كانت هناك لحظات كثيرة طريفة بدأت من اللحظة الأولى حيث الوقت عند الألمان أهم شىء بعكسنا نحن المصريين، وأتذكر جيدا عندما كنت أقف فى صالة الفندق أكتب خطابا إلى «روزاليوسف» وإلى جوارى الملحق الصحفى الألمانى يشد شعره لأن المبعوثين المصريين لا يفهمون أن هناك مواعيد يجب الالتزام بها، وعندما صعدت بعد وصولى للفندق فى هامبورج لغرفتى لأستريح وعندما فتحت باب الغرفة كانت خاوية تماما ولا يوجد بها سرير وغضبت جدا فقد كنت منهكاً من السفر وأريد النوم، وإذا لم تكن هذه غرفتى فسيكون هناك وقت حتى أنتقل إلى الغرفة الجديدة أو سأنتظر حتى يفرشوا هذه الغرفة، وبسرعة بحثت عن الخادم وعندما جاء أبديت له دهشتى من معاملتهم للسواح فى ألمانيا.. أتعطوننى غرفة فارغة هل سأنام على الأرض وأصاب بالتهاب رئوى وبرد..

وابتسم الرجل ونظر إلى شعرى الأكرت ثم اتجه إلى زر فى الحائط وضغط عليه فخرج سرير كامل المعدات من داخل الحائط، واتجه إلى اليمين وضغط على زر آخر فخرجت كنبة، وشد حبلا فى الخلف فخرج مصباح وكتب وكرسى ومائدة عليها راديو وتليفون ونوتة مذكرات وإعلانات وهدايا، وشعرت بالخجل من جهلى بالتكنولوجيا الحديثة- وأنا كاتب وروائى- أمام خادم ألمانى.

لكن الأيام القليلة التى عشتها فى روما شعرت خلالها كأنى أعيش داخل لوحة فنية رائعة ولا أريد مغادرتها، شاهدت المدينة وكأنها قديمة وتبدو كمتحف، ففى كل مكان تماثيل قديمة ونافورة، وروما حافظة أمينة لتاريخ الفن الرومانى وكل آثار الفن الخالدة فيها أقيمت بتبرعات من جميع أرجاء أوروبا بدعوة من البابا من أجل المسيح، وفى متحف الفاتيكان شاهدت قصة المسيحية مرسومة على الجدران بريشة دافنشى ورافائيل، وفى الكنائس والمعابد شاهدت الكهنة، ووجدت للكاهن المصرى غرفة خاصة فى متحف الفاتيكان قابلت فيها فراعنة أعرفهم وملوكاً قدامى من الأسرات الأولى ولا شك أن تماثيلهم سرقت وعبرت البحر إلى إيطاليا ثم بيعت للبابا والكنيسة.

وفى روما عرفت أننى لم أفهم النحت الفرعونى فى مصر وتعلمت الفرق بين النحت المصرى الفرعونى والنحت الرومانى، فعندما نشاهد التمثال الفرعونى من بعيد ومن قريب ومن كل الزوايا نجده جميلاً أما التمثال الرومانى فيبدو من بعيد وكأنه «لعبكة» لكثرة ما فيه من التفاصيل والحركات ولتعدد الشخصيات فى كل تمثال.

وفى كنيسة القديس بطرس وجدت نفسى تحت قبة هائلة من الرخام ودفعت ستين ليرة لكى أشاهد المتحف البابوى ودخلت سرداباً يحتوى على أرواب وقلانس وصلبان وتيجان من الذهب كل تاج منها يزن بضعة أرطال، ومصاحف مدهبة ضخمة فى حجم الدولاب وجواهر نادرة، وعجبت لهذا البذخ الأسطورى وكان هذا البريق الخافت والذهب والماس والمجد والسلطان ممتلكات للبابوات الزاهدين الذين تركوا الدنيا خلف ظهورهم.

كنت أمصمص شفتى وأقول مساكين هؤلاء البابوات.. إن هذه التيجان حمل ثقيل جدا بالفعل، وجلست أتأمل كل هذا فى حالة حيرة، وعلى الفور تذكرت الخديو إسماعيل الذى حاول أن يجعل القاهرة قطعة من روما بعد أن جمع الفن الكلاسيكى وألقى به فى الميادين من خلال التماثيل والعمارات الأنيقة التى مازلنا نراها حتى الآن، ولكن إذا اتبعنا خطى إسماعيل فسنجعل من القاهرة بلدا قديماً ومتحفاً للذكريات.


الخميس، 14 يناير 2010

إبراهيم عيسى يكتب : مفاوضات السادات مع حسن البنا

يبدو أنها ليلة مهمة جدا في حياة الرئيس السادات لدرجة أنه يصفها بأنها كانت ليلة البدء لأحداث كثيرة متتابعة سمع المصريون أطرافاً منها، بعضها خافت كالهمس، وبعضها مدوٍ.. كالقنابل والمتفجرات!

ليلتها كان السادات ضابطا في سلاح الإشارة في معسكر في المعادي يحتفل مع جنوده بليلة المولد النبوي ويكمل السادات تفاصيل الليلة ويحكي:

(كنا جلوساً في إحدي غرف السلاح، نتناول العشاء ونتكلم. ودخل علينا ونحن جلوس للعشاء في ليلة مولد النبي جندي من جنود السلاح الفنيين، لم يكن موجوداً بيننا منذ بدء هذه الجلسة، وقدم إلينا صديقاً له يلتحف بعباءة حمراء لا يكاد يظهر منه شيء كثير)..

لم أكن أعرف هذا الرجل إلي ذلك اليوم، ولم يثر دخوله ولا ملبسه اهتمامي، ولم يلفت نظري.. وكل ما هناك أني صافحته ورحبت به، ودعوته إلي تناول العشاء معنا، فجلس وتناول العشاء...

وفرغنا من الطعام، ولم أعرف عن الضيف شيئاً إلا بشاشة في وجهه ورقة في حديثه وتواضعاً في مظهره.

ولكني عرفت بعد ذلك عنه شيئاً كثيراً...

فقد بدأ الرجل بعد العشاء حديثاً طويلاً عن ذكري مولد الرسول.. كان هو اللقاء الحقيقي الأول بيني وبين هذه الذكري...).

واضح مما يسرده السادات تأثره بكلام هذا الرجل لدرجة إحساسه أنها المرة الأولي التي يسمع فيها كلاما عن المولد النبوي الشريف وكأنه ما سمعه من قبل لم يكن شيئا بل مجرد كلام تقليدي لا أهمية فيه ولا منه

لكن من كان هذا الرجل ؟

يرد السادات وأنا أنقل عن كتابه الخطير والنادر (صفحات مجهولة) الذي صدر عام 1954ولن تجده مطبوعا مرة أخري بعد ذلك ربما لزحام الخطورة في كل صفحات الكتاب، إذن من كان هذا الرجل؟ يجيب السادات:

(كان في سمات هذا الرجل، كثير مما يتسم به رجال الدين:عباءته، ولحيته، وتناوله شيئاً من الدين بالحديث..لكن ليس حديثه هو وعظ المتدينين..ليس الكلام المرتب، ولا العبارات المنمقة، ولا الحشو الكثير ولا الاستشهاد المطروق، ولا التزمت في الفكرة، ولا ادعاء العمق، ولا ضحالة الهدف، ولا إحالة إلي التواريخ والسير والأخبار!.. كان حديثه شيئاً جديداً.. كان حديث رجل يدخل إلي موضوعه من زوايا بسيطة ويتجه إلي هدفه من طريق واضح.. ويصل إليه بسهولة أخاذة.. وكان هذا الرجل هو المرحوم الشيخ حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين).

تبدو سطور السادات في هذا الكتاب منبهرة بحسن البنا ومرتبطة به فعلا وجدا وهو ما يطرح أسئلة مهمة حول حقيقة العلاقة بين السادات والضباط الأحرار من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخري، فالكتاب كتب مقدمته جمال عبدالناصر شخصيا وقد أغدق في المقدمة علي السادات أوصافا من قبيل (إن شخصية السادات العبقرية لجديرة بالإعجاب خليقة بالإطراء، فعبقريته العسكرية الممتازة وشجاعته ورباطة جأشه وإخلاصه وتفانيه في خدمة المثل العليا إلي جانب قوة إرادته وتنزهه عن الغرض ورقة عواطفه وميله الغريزي للعدالة والإنصاف كل هذه الصفات جعلته أهلاً للقيام بدور مهم في التمهيد لثورة يوليو 1952 والسير بها قدماً في سبيل الحياة).

ها ما رأي أصدقائي الناصريين في هذه الأوصاف شبه الملائكية التي يسبغها عبدالناصر علي السادات، هل هناك أي تساؤل تشكيكي جديد في دور السادات في ثورة يوليو أو شيء من الاتهامات المفضلة لدي خصوم السادات حول تاريخ الرجل قبل الثورة؟!

المهم السادات يكتب عن حسن البنا وعن مفاوضات الضباط الأحرار مع الإخوان بمنتهي الصراحة والوضوح الذي وافق عليه جمال عبدالناصر بدليل كتابته لمقدمة هذا الكتاب بكل ما فيه من خبايا حاول رجال يوليو بعد ذلك التنصل منها، والثابت فيما كتبه السادات بخط يده هو حالة الانبهار التي ملأته طوال الوقت بمرشد الإخوان الأول حسن البنا، ويقول : .

(وانتحي الرجل بي ناحية، وتجاذب معي حديثاً قصيراً أنهاه بدعوتي إلي زيارته في دار جمعية الإخوان المسلمين قبل حديث الثلاثاء..كانت الجمعية إذ ذاك لاتزال في دارها القديمة التي تشغلها الآن شعبة الجوالة التابعة لها...وذهبت يوم الثلاثاء.لم أكد أضع قدمي في مدخل الدار، حتي شعرت بكثير من الرهبة، وكثير من الغموض)، ثم يواصل في موقع آخر من الكتاب (وبدأ المرحوم حسن البنا يتحدث إليّ حديثاً طويلاً عن تشكيلات الإخوان المسلمين، وأهدافه منها، وكان واضحاً في حديثه، أنه يريد أن يعرض عليّ الانضمام إلي جماعة الإخوان المسلمين، أنا، وإخواني في تشكيلنا حتي تتوحد جهودنا العسكرية والشعبية في هذه المعركة.

وكنت أنا مستعداً للإجابة عن هذا الطلب إذا وجهه إلي، فلما رأيته يكتفي بالتلميح، أوضحت له من جانبي أيضاً، أنه ليس من وسائلنا أبداً أن ندخل كجماعة ولا كأفراد في أي تشكيل خارج نطاق الجيش.

وأطرق المرحوم قليلاً ثم قال، وعلي وجهه ابتسامة تغطي تفكيراً عميقاً:

ــ من الخير لنا إذن لنجاحنا ونجاحكم أن نتشاور وأن نتكلم معاً في كل شيء.. كما أننا علي استعداد كي نعاونكم عندما تطلبون ذلك إلينا.

وبدأ بيننا تعاون كنت أنا الصلة فيه.. تعاون بدأ في تحفظ واستمر في تحفظ..

وفي خلال هذا التعاون تكشفت لي أشياء كثيرة من الأسرار الداخلية لجماعة الإخوان رغم أنه - رحمه الله - لم يحاول أن يكشف لي شيئاً منها، ولا أن يطلعني علي أي سر من أسرارهم الداخلية..

أهم هذه الأسرار، أن حسن البنا وحده كان الرجل الذي يعد العدة لحركة الإخوان، ويرسم لها سياستها ثم يحتفظ بها في نفسه.. وأن أقرب المقربين إليه لم يكن يعرف من خططه شيئاً، ولا من أهدافه شيئاً.

حتي لقد كان حسن البنا في ذلك الوقت المبكر يجمع السلاح، ويشتريه ويخزنه، ولكنه لم يكن يطلع أقرب الناس إليه من كبار الإخوان أنفسهم علي أي شيء من كل هذا..

وكان علي العكس من ذلك يستعين في هذه العمليات بإخوان من الشباب الصغار.. وكان منهم الجندي المتطوع الذي جاءني به في سلاح الإشارة أول مرة..

وكان أعوانه الصغار هؤلاء يعرفون أن ما بينهم وبينه سر علي الناس جميعاً بمن فيهم الإخوان الكبار.

فقد أدركت هذا في يوم من الأيام، كنت جالساً معه، عندما دخل علينا هذا الجندي المتطوع يحمل في يديه صندوقين مغلقين.

ورآني الجندي جالساً، فأجفل، ولكن حسن البنا قال له افتح الصناديق، ولا تخف..

ونظر الجندي إليَّ بابتسامة الأخ في الجهاد، ثم فتح صندوقيه وكان ما فيهما عينات من أنواع المسدسات.

وتأكدت في ذلك اليوم من أن الرجل يشتري سلاحاً ويخزنه ويخفيه حتي عن الإخوان.

وفرحت في نفسي بذلك..فسيأتي اليوم الذي نضرب فيه ضربتنا كرجال عسكريين.. وسيكون من أهم ما نستعين به أن نجد قوة شعبية تقف في الصف الثاني، مسلحة مدربة.

ولكن، متي يكون هذا اليوم؟ إن الأمر بحاجة إلي إعداد كامل طويل..ونحن نستعد، ونستعد، ونستعد.

ودعوتنا تجد أنصارها ببطء، ولكن في وثوق وكل شيء يجري علي وجه نطمئن إليه.

وكنا قد بدأنا نفكر في التنفيذ العملي.. فكان لابد لنا من أن نعاود الاتصال بالإخوان المسلمين لكي يكونوا هم القوة الشعبية التي تشاركنا باسم الشعب تبعات العمل الكبير).

الإخوان المسلمون إذن منذ لحظة وجودهم في الحياة السياسية المصرية رقم صعب، لايمكن لحركة أو فريق أو تيار سياسي يريد النهوض بالبلد أن يتغافل عنهم أو يتجاهلهم، بل يبدو الأمر مثل هذه الأيام تماما حيث تتجه القوي المعارضة الوطنية نحو الإخوان تستحثهم علي الانضمام للنداء الوطني بالتغيير وتناشد هذه الجماعة أن تتعاون معها، لكن المدهش أن درس التاريخ الذي نستوعبه من كتاب وذكريات السادات وضباط يوليو مع حسن البنا والإخوان هو:

1- هذه الجماعة لها أجندتها وأهدافها الخاصة منذ بدأت وهذا حقها تماما ولا يناطح هذا الحق أحد، لكن هذه الأجندة تجعل الإخوان منذ كان السادات يتفاوض معهم قبل يوليو 1952وحتي الآن يختارون دائما المواعيد الخطأ والمواقف الأكثر خطأ، ثم إن التردد سمة جذرية فيهم والتراجع ساعة الجد وعدم القدرة علي قراءة الواقع سمة أصيلة عندهم ومن ثم تطيش خطواتهم حين يتحركون وتفشل ريحهم حين يتجمدون عن الحركة، كما أنهم يتميزون بالغرور بالقوة حتي يفقدوها تدريجيا وأحيانا تماما، فيتحولون إلي الإحساس بالاستضعاف وروح الضحية فيتقوقعون حتي يفقد الآخرون فيهم أي أمل في أن يفعلوا أي شيء!

2- إن أي فريق أو تيار يعتقد أنه لايستطيع الحركة أوالتأثير إلا بتشكيل جبهة مع الإخوان فإنه يوهم نفسه وهمين: الوهم الأول، أن الإخوان يمكن أن يشكلوا جبهة مع أحد في فعل حقيقي وجذري، والوهم الثاني أنه لايمكن الحركة بغير الإخوان، فالحقيقة أن التحولات الكبري في مصر منذ يوليو 52وحتي الآن تمت دون وجود الإخوان في الصورة، الإخوان منذ خرج أنور السادات من أحد لقاءاته بالمرشد حسن البنا وحتي الآن فريق يأخذ أكثر من حجمه بينما يلعب دورا أقل من دوره !!

أعود إلي أسرار السادات وهو يذيعها قبل أن تتحول بفعل الزمن ومستجداته مجددا إلي أسرار طواها النسيان أو التناسي المتعمد، يقول السادات في كتابه (صفحات مجهولة) الصادر عن سلسلة كتب للجميع عدد رقم 84 في 1954: (وإذا قلت «الاتصال بالإخوان المسلمين» فإنما أعني الاتصال بالمرحوم حسن البنا، فلم تكن لي صلة عملية بغيره.. أو هكذا أراد حسن البنا نفسه.. فقد كان كما قلت من قبل، أحرص ما يكون علي أن يظل ما بيننا وبينه سراً خافياً علي الجميع، حتي علي كبار الإخوان أنفسهم.

وعندما بدأت الاتصال به للقيام بالعمل الفعلي الذي كان يعرف أننا ننويه، تكتم الأمر أيضا بينه وبين نفسه.فقد ذهبت إليه حينئذ في دار الإخوان وطلبت مقابلته لأمر مهم وكان الأستاذ السكري- وكيل الإخوان المسلمين - موجوداً معه، فإذا به يشير بأن أدخل إلي غرفة في مدخل الدار كانت مخصصة لشركة المعاملات الإسلامية.وبذل - رحمه الله - جهداً كبيراً لكي لا يشعر الأستاذ السكري بأي حركة غير عادية، ثم تسلل إليَّ في الغرفة من باب آخر لها، وأخذني من يدي فخرجنا متلصصين، إلي عربة نقلتنا إلي بيته بالقرب من دار الجماعة.. وأغلق البنا باب غرفته وأوصد الشبابيك ثم مال عليَّ برأسه لكي يسمع ما أردت أن أنهيه إليه.وفي تلك الليلة بسطت للمرحوم البنا كل التفاصيل وتوسعت معه في شرح دقائق الخطة العسكرية الموضوعة، وأفهمته حقيقة الدور الذي نريد أن يقوم الإخوان به، وحدود هذا الدور. وأطرق البنا طويلاً وهو يستمع لي ثم سكت فترة طويلة أخري قبل أن يتكلم.. وعندما تكلم أجهش في البكاء!!ومرت فترة وهو يتكلم..كنت أنا خلالها ذاهلا كالمسحور.

قال كلاماً كثيراً.. كلاماً مثيراً ممتزجاً بالإيمان الشديد.. وكان واضحاً جداً من كلامه أنه يؤثر مصلحة البلاد.

ولكنني عندما خرجت من عنده، سألت نفسي:

- هل وعد الرجل بشيء؟

هل احتضن خطتنا؟

- هل هو سيقوم بتنفيذ نصيب الإخوان منها؟

وحرت في الإجابة عن كل سؤال من هذه الأسئلة.. فالواقع أن الرجل تكلم كثيراً وأثر في نفسي كثيراً وبكي من أجل مصر كثيراً.. ولكنه لم يعد بشيء ولا احتضن خطتنا.

ولا أفهمني أنه مقبل علي تنفيذ نصيب الإخوان من الخطة..!

-هل كان معنا؟!

ولكنك لو سألتني حينئذ سؤالاً من هذه الأسئلة، لما استطعت أن أجيب عنه إجابة قاطعة، كما أستطيع أن أفعل .. اليوم فقد كان تأثيره الشديد في قد أبعد عن ذهني كل شك).

- هل وصل السادات لأي حاجة في مفاوضاته مع الإخوان والبنا ؟

ولا لأي حاجة !!

لا هم يتحركون كالعادة ولا يشاركون غيرهم حركة كالمعتاد !

أحسب أن السادات كان معجبا حتي الانبهار بحسن البنا مما يجعلني أعتقد أن ما فعله من فتح الباب بعد توليه الحكم لحركة الإخوان المسلمين ورهاناته علي مظاهر التدين ودولة العلم والإيمان مع بروز وتنامي الإسلام السياسي في حياته (الذي كان سببا في موته)، لم يكن هذا كله عملا سياسيا انتهازيا بضرب اليسار والناصريين وأفكار الاشتراكية بالإخوان وجماعتهم والتيار الإسلامي الذي صنعه السادات علي عينه في الجامعات المصرية، بل كان كذلك تعبيرا عن إعجاب السادات بالفكرة الدينية وتأثره بحسن البنا من جهة ومن جهة أخري تصوره المبني علي دراسة الواقع المصري أن الدعوة الدينية باب من أبواب الحصول علي الجماهيرية والشعبية فالأمر كله محصلة:

1- إيمان قديم بالفكرة الدينية 2-إعجاب معلن ومؤثر بحسن البنا 3-بحث عن زعامة مستندة إلي الإسلام 4- ضرب للتيارات والأفكار اليسارية.

يعود السادات وينقلب علي كثير من هذا منذ عقد الصلح المنفرد مع إسرائيل، ثم من جراء العداء الهائل تجاهه من الجماعات الإسلامية التي ساهم في بنائها ونشرها، ثم من خذلان الإخوان للسادات بالتخلي عنه أمام التيار الكاسح المعارض لسياساته، لكن انقلاب السادات لم ينفعه بل انتهي بمقتله في درس جديد للرجل أنه لا يمكن الرهان علي حلف مع الإخوان المسلمين وهو نفس ما ردده لنفسه وهو يصف موقف البنا في كتابه (صفحات مجهولة) : (إنه رغم عدم تقيده بأي وعد فهو معنا.. بقلبه ووجدانه وتفكيره.. وروحه أيضاً.

وكان أخطر ما أردت معرفته منه في تلك الجلسة، هو أن أعرف شيئاً عن استعداداته من حيث الأسلحة.. فقد كنت علي يقين أن الرجل يملك سلاحاً، وأنه يختزنه ويعرف كيف يخفيه.

وكانت مباراة بيني وبينه.. أنا أريد أن أعلم وأطمئن، وهو يباعد بيني وبين ما أريد مباعدة لبقة لا تكاد تشعر بها أبداً.

وفي جو الغموض والأسرار الذي كان يحوط نفسه به، ويحوط كل أعماله وكل جماعته، كان سهلاً عليه أن يقنعك بأنه يملك سلاحاً، وأن يقنعك بألا تسأل عنه أبداً.

وأن يقنعك بأنه أعد فعلاً جماعته للكفاح، وأن يقنعك بأن تحتفظ هذا سراً بينك وبين نفسك.

وأن يقنعك بأنه معتمد علي قوة كبيرة مخيفة مجهولة وأن يقنعك أيضاً بأن تؤمن بهذه القوة، دون أن تعرف عنها أي شيء).

هذه بعض صفحات أنور السادات المجهولة التي تحولت بقدرة ربنا إلي صفحاته المعلومة.. والغريب أنه لا أحد يريد أن يعلم عنها شيئا !